ذِكْرُ حَالِ دُبَيْسِ بْنِ صَدَقَةَ وَمَا كَانَ مِنْهُ
قَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ حَالَ دُبَيْسِ بْنِ صَدَقَةَ، وَصُلْحَهُ عَلَى يَدِ يَرْنَقُشَ الزَّكْوِيِّ، وَمُقَامَهُ بِالْحِلَّةِ، وَعَوْدَ يَرْنَقُشَ إِلَى السُّلْطَانِ وَمَعَهُ مَنْصُورُ بْنُ صَدَقَةَ، أَخُو دُبَيْسٍ، وَوَلَدُهُ، رَهِينَةً، فَلَمَّا عَلِمَ الْخَلِيفَةُ بِذَلِكَ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَرَاسَلَ السُّلْطَانَ مَحْمُودًا فِي إِبْعَادِ دُبَيْسٍ عَنِ الْعِرَاقِ إِلَى بَعْضِ النَّوَاحِي.
وَتَرَدَّدَ الْخِطَابُ فِي ذَلِكَ، وَعَزَمَ السُّلْطَانُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى هَمَذَانَ، فَأَعَادَ الْخَلِيفَةُ الشَّكْوَى مِنْ دُبَيْسٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُطَالِبُ النَّاسَ بِحُقُوقِهِ، مِنْهَا قَتْلُ أَبِيهِ، وَأَشَارَ أَنْ يَحْضُرَ السُّلْطَانُ آقْسُنْقُرُ الْبُرْسُقِيُّ مِنَ الْمَوْصِلِ، وَيُوَلِّيَهُ شِحْنَكِيَّةَبَغْدَاذَ وَالْعِرَاقِ، وَيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِ دُبَيْسٍ، فَفَعَلَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ، وَأَحْضَرَ الْبُرْسُقِيَّ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ زَوَّجَهُ وَالِدَةَ الْمَلِكِ مَسْعُودٍ، وَجَعَلَهُ شِحْنَةَ بَغْدَاذَ وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ دُبَيْسٍ إِنْ تَعَرَّضَ الْبِلَادَ.
وَسَارَ السُّلْطَانُ عَنْ بَغْدَاذَ فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ مُقَامُهُ بِبَغْدَاذَ سَنَةً وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَلَمَّا فَارَقَ بَغْدَاذَ وَالْعِرَاقَ تَظَاهَرَ دُبَيْسٌ بِأُمُورٍ تَأَثَّرَ بِهَا الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْبُرْسُقِيِّ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ، وَإِزْعَاجِهِ عَنِ الْحِلَّةِ، فَأَرْسَلَ الْبُرْسُقِيُّ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَأَحْضَرَ عَسَاكِرَهُ، وَسَارَ إِلَى الْحِلَّةِ، وَأَقْبَلَ دُبَيْسٌ نَحْوَهُ، فَالْتَقَوْا عِنْدَ نَهْرِ بَشِيرٍ، شَرْقِيَّ الْفُرَاتِ، وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ الْبُرْسُقِيِّ.
وَكَانَ سَبَبُ الْهَزِيمَةِ أَنَّهُ رَأَى فِي مَيْسَرَتِهِ خَلَلًا، وَبِهَا الْأُمَرَاءُ الْبَكْجِيَّةُ، فَأَمَرَ بِإِلْقَاءِ خَيْمَتِهِ، وَأَنْ تُنْصَبَ عِنْدَ الْمَيْسَرَةِ، لِيُقَوِّيَ قُلُوبَ مَنْ بِهَا، فَلَمَّا رَأَوُا الْخَيْمَةَ وَقَدْ سَقَطَتْ ظَنُّوهَا عَنْ هَزِيمَةٍ، فَانْهَزَمُوا، وَتَبِعَهُمُ النَّاسُ وَالْبُرْسُقِيُّ.
وَقِيلَ: بَلْ أُعْطِيَ رُقْعَةً فِيهَا: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ، مِنْهُمْ إِسْمَاعِيلُ الْبَكْجِيُّ، يُرِيدُونَ الْفَتْكَ بِهِ، فَانْهَزَمَ، وَتَبِعَهُ الْعَسْكَرُ، وَدَخَلَ بَغْدَاذَ ثَانِيَ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَكَانَ فِي جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ نَصْرُ بْنُ النَّفِيسِ بْنِ مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ أَحْمَدِ بْنِ أَبِي الْجَبْرِ، وَكَانَ نَاظِرًا بِالْبَطِيحَةِ لِرَيْحَانَ مَحْكَوَيْهِ، خَادِمِ السُّلْطَانِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ إِقْطَاعِهِ، وَحَضَرَ أَيْضًا الْمُظَفَّرُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي الْجَبْرِ، وَبَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ شَدِيدَةٌ، فَالْتَقَيَا عِنْدَ الِانْهِزَامِ بِسَابَاطِ نَهَرِ مَلِكٍ، فَقَتَلَهُ الْمُظَفَّرُ وَمَضَى إِلَى وَاسِطَ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى الْبَطِيحَةِ، وَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا وَكَاتَبَ دُبَيْسًا وَأَطَاعَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute