للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَارَ عَسْكَرُ وَاسِطَ إِلَى النُّعْمَانِيَّةَ، فَأَجْلَوْا عَنْهَا عَسْكَرَ دُبَيْسٍ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا، وَجَرَى بَيْنَهُمْ هُنَاكَ وَقْعَةٌ كَانَ الظَّفَرُ فِيهَا لِلْوَاسِطِيِّينَ، وَتَقَدَّمَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْبُرْسُقِيِّ بِالتَّبْرِيزِ إِلَى حَرْبِ دُبَيْسٍ، فَبَرَزَ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ذِكْرُ قَتْلِ السُّمِيرَمِيِّ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ الْوَزِيرُ الْكَمَالُ أَبُو طَالِبٍ السُّمِيرَمِيُّ، وَزِيرُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، سَلْخَ صَفَرَ، وَكَانَ قَدْ بَرَزَ مَعَ السُّلْطَانِ لِيَسِيرَ إِلَى هَمَذَانَ، فَدَخَلَ إِلَى الْحَمَّامِ، وَخَرَجَ بَيْنَ يَدَيْهِ الرَّجَّالَةُ وَالْخَيَّالَةُ، وَهُوَ فِي مَوْكِبٍ عَظِيمٍ، فَاجْتَازَ بِسُوقِ الْمَدْرَسَةِ الَّتِي بَنَاهَا خُمَارَتِكِينُ التُّتُشِيُّ، وَاجْتَازَ فِي مَنْفَذٍ ضَيِّقٍ فِيهِ حَظَائِرُ الشَّوْكِ، فَتَقَدَّمَ أَصْحَابُهُ لِضِيقِ الْمَوْضِعِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ بَاطِنِيٌّ وَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ، فَوَقَعَتْ فِي الْبَغْلَةِ، وَهَرَبَ إِلَى دِجْلَةَ، وَتَبِعَهُ الْغِلْمَانُ، فَخَلَا الْمَوْضِعُ، فَظَهَرَ رَجُلٌ آخَرُ فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فِي خَاصِرَتِهِ، وَجَذَبَهُ عَنِ الْبَغْلَةِ إِلَى الْأَرْضِ وَضَرَبَهُ عِدَّةَ ضَرَبَاتٍ.

وَعَادَ أَصْحَابُ الْوَزِيرِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلَانِ بَاطِنِيَّانِ، فَانْهَزَمَ مِنْهُمَا، ثُمَّ عَادُوا وَقَدْ ذُبِحَ الْوَزِيرُ مِثْلَ الشَّاةِ، فَحُمِلَ قَتِيلًا وَبِهِ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ جِرَاحَةً، وَقُتِلَ قَاتِلُوهُ.

وَلَمَّا كَانَ فِي الْحَمَّامِ كَانَ الْمُنَجِّمُونَ يَأْخُذُونَ لَهُ الطَّالِعَ لِيَخْرُجَ فَقَالُوا: هَذَا وَقْتٌ جَيِّدٌ، وَإِنْ تَأَخَّرْتَ يَفُتْ طَالِعُ السَّعْدِ، فَأَسْرَجَ وَرَكِبَ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامًا، فَمَنَعُوهُ لِأَجْلِ الطَّالِعِ، فَقُتِلَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ قَوْلُهُمْ.

وَكَانَتْ وِزَارَتُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ، وَانْتُهِبَ مَالُهُ، وَأَخَذَ السُّلْطَانُ خِزَانَتَهُ، وَوَزَرَ بَعْدَهُ شَمْسُ الْمُلْكِ، وَكَانَتْ زَوْجَةُ السُّمِيرَمِيِّ قَدْ خَرَجَتْ هَذَا الْيَوْمَ فِي مَوْكِبٍ كَبِيرٍ، مَعَهَا نَحْوُ مِائَةِ جَارِيَةِ، وَجَمْعٌ مِنَ الْخَدَمِ، وَالْجَمِيعُ بِمَرَاكِبِ الذَّهَبِ، فَلَمَّا سَمِعْنَ بِقَتْلِهِ عُدْنَ حَافِيَاتٍ حَاسِرَاتٍ، وَقَدْ تَبَدَّلْنَ بِالْعِزِّ هَوَانًا، وَبِالْمَسَرَّةِ أَحْزَانًا. فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَزُولُ مُلْكُهُ.

وَكَانَ السُّمِيرَمِيُّ ظَالِمًا، كَثِيرَ الْمُصَادَرَةِ لِلنَّاسِ، سَيِّءَ السِّيرَةِ، فَلَمَّا قُتِلَ أَطْلَقَ السُّلْطَانُ مَا كَانَ جَدَّدَهُ مِنَ الْمُكُوسِ، وَمَا وَضَعَهُ عَلَى التُّجَّارِ وَالْبَاعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>