فَقَصَدَهَا الْعَسْكَرُ، فَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ بِهَا، وَهَرَبَ مُقَدَّمُهُمْ، وَصَعِدَ مَنَارَةَ الْمَسْجِدِ وَأَلْقَى نَفْسَهُ مِنْهَا فَهَلَكَ، وَكَذَلِكَ الْعَسْكَرُ الْمُنْفَذُ إِلَى طُرَيْثِيثَ قَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا فَأَكْثَرُوا، وَغَنِمُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَعَادُوا.
ذِكْرُ مُلْكِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ قَلْعَةَ بَانْيَاسَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَظُمَ أَمَرُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ بِالشَّامِ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَمَلَكُوا بَانْيَاسَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ بَهْرَامَ ابْنَ أُخْتِ الْأَسْدَابَاذِيِّ، لَمَّا قُتِلَ خَالُهُ بِبَغْدَاذَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، هَرَبَ إِلَى الشَّامِ، وَصَارَ دَاعِيَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ فِيهِ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ فِي الْبِلَادِ، وَيَدْعُو أَوْبَاشَ النَّاسِ وَطُغَامَهُمْ إِلَى مَذْهَبِهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مِنْهُمْ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ، فَكَثُرَ جَمْعُهُ، إِلَّا أَنَّهُ يُخْفِي شَخْصَهُ فَلَا يُعْرَفُ، وَأَقَامَ بِحَلَبَ مُدَّةً، وَنَفَرَ إِلَى إِيلْغَازِي صَاحِبِهَا.
وَأَرَادَ إِيلْغَازِي أَنْ يَعْتَضِدَ بِهِ لِاتِّقَاءِ النَّاسِ شَرَّهُ وَشَرَّ أَصْحَابِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ كُلَّ مَنْ خَالَفَهُمْ، وَقَصَدَ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِهِمْ، وَأَشَارَ إِيلْغَازِي عَلَى طُغْتِكِينَ، صَاحِبِ دِمَشْقَ، بِأَنْ يَجْعَلَهُ عِنْدَهُ لِهَذَا السَّبَبِ، فَقَبِلَ رَأْيَهُ، وَأَخَذَهُ إِلَيْهِ، فَأَظْهَرَ حِينَئِذٍ شَخْصَهُ، وَأَعْلَنَ دَعْوَتَهُ، فَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ مِنْ كُلِّ مَنْ يُرِيدُ الشَّرَّ وَالْفَسَادَ، وَأَعَانَهُ الْوَزِيرُ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَعْدٍ الْمَرْغِينَانِيُّ قَصْدًا لِلِاعْتِضَادِ بِهِ عَلَى مَا يُرِيدُ، فَعَظُمَ شَرُّهُ وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَصَارَ أَتْبَاعُهُ أَضْعَافَ مَا كَانُوا، فَلَوْلَا أَنَّ عَامَّةَ دِمَشْقَ يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ مَذَاهِبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَنَّهُمْ يُشَدِّدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَمَلَكَ الْبَلَدَ.
ثُمَّ إِنَّ بَهْرَامَ رَأَى مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ فَظَاظَةً وَغِلْظَةً عَلَيْهِ، فَخَافَ عَادِيَتَهُمْ، فَطَلَبَ مِنْ طُغْتِكِينَ حِصْنًا يَأْوِي إِلَيْهِ هُوَ وَمِنِ اتَّبَعَهُ، فَأَشَارَ الْوَزِيرُ بِتَسْلِيمِ قَلْعَةِ بَانْيَاسَ إِلَيْهِ، فَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَارَ إِلَيْهَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَعَظُمَ حِينَئِذٍ خَطْبُهُ، وَجَلَتِ الْمِحْنَةُ بِظُهُورِهِ، وَاشْتَدَّ الْحَالُ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الدِّينِ، وَلَا سِيَّمَا أَهْلِ السُّنَّةِ وَالسِّتْرِ وَالسَّلَامَةِ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَنْطِقُوا بِحَرْفٍ وَاحِدٍ، خَوْفًا مِنْ سُلْطَانِهِمْ أَوَّلًا، وَمِنْ شَرِّ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ ثَانِيًا، فَلَمْ يَقْدَمْ أَحَدٌ عَلَى إِنْكَارِ هَذِهِ الْحَالِ، فَانْتَظَرُوا بِهِمُ الدَّوَائِرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute