ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ دُبَيْسٌ بِالْعِرَاقِ وَعَوْدَ السُّلْطَانِ إِلَى بَغْدَاذَ
لَمَّا رَحَلَ السُّلْطَانُ إِلَى هَمَذَانَ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ، وَهِيَ ابْنَةُ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُعْنَى بِأَمْرِ دُبَيْسٍ وَتُدَافُعُ عَنْهُ، فَلَمَّا مَاتَتِ انْحَلَّ أَمْرُ دُبَيْسٍ.
ثُمَّ إِنَّ السُّلْطَانَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، فَأَخَذَ دُبَيْسٌ ابْنًا لَهُ صَغِيرًا وَقَصَدَ الْعِرَاقَ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ بِذَلِكَ جَنَّدَ الْأَجْنَادَ وَحَشَدَ، وَكَانَ بَهْرُوزُ بِالْحِلَّةِ، فَهَرَبَ مِنْهَا، فَدَخَلَهَا دُبَيْسٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا سَمِعَ السُّلْطَانُ الْخَبَرَ عَنْ دُبَيْسٍ أَحْضَرَ الْأَمِيرَيْنِ قَزَلَ وَالْأَحْمَدِيلِيَّ، وَقَالَ: أَنْتُمَا ضَمِنْتُمَا دُبَيْسًا مِنِّي، وَأُرِيدُهُ مِنْكُمَا. فَسَارَ الْأَحْمَدِيلِيُّ إِلَى الْعِرَاقِ إِلَى دُبَيْسٍ، لِيَكُفَّ شَرَّهُ عَنِ الْبِلَادِ، وَيُحْضِرَهُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَلَمَّا سَمِعَ دُبَيْسٌ الْخَبَرَ أَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَسْتَعْطِفُهُ، وَيَقُولُ: إِنْ رَضِيتَ عَنِّي فَأَنَا أَرُدُّ أَضْعَافَ مَا أَخَذْتُ، وَأَكُونُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ، فَتَرَدَّدَ الرُّسُلُ وَدُبَيْسٌ يَجَمْعُ الْأَمْوَالَ وَالرِّجَالِ، فَاجْتَمَعَ مَعَهُ عَشَرَةُ آلَافِ فَارِسٍ، وَكَانَ قَدْ وَصَلَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ، وَوَصَلَ الْأَحْمَدِيلِيُّ بَغْدَاذَ فِي شَوَّالٍ، وَسَارَ فِي أَثَرٍ دُبَيْسٍ.
ثُمَّ إِنَّ السُّلْطَانَ سَارَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَلَمَّا سَمِعَ دُبَيْسٌ بِذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ هَدَايَا جَلِيلَةَ الْمِقْدَارِ، وَبَذَلَ ثَلَاثَمِائَةِ حِصَانٍ مُنَعَّلَةً بِالذَّهَبِ، وَمِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ ; لِيَرْضَى عَنْهُ السُّلْطَانُ وَالْخَلِيفَةُ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَوَصَلَ السُّلْطَانُ إِلَى بَغْدَاذَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَقِيَهُ الْوَزِيرُ الزَّيْنَبِيُّ وَأَرْبَابُ الْمَنَاصِبِ، فَلَمَّا تَيَقَّنَ دُبَيْسٌ وُصُولَهُ رَحَلَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، وَقَصَدَ الْبَصْرَةَ، وَأَخَذَ مِنْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَمَا لِلْخَلِيفَةِ وَالسُّلْطَانِ هُنَاكَ مِنَ الدَّخْلِ، فَسَيَّرَ السُّلْطَانُ إِثْرَهُ عَشَرَةَ آلَافِ فَارِسٍ، فَفَارَقَ الْبَصْرَةَ وَدَخَلَ الْبَرِّيَّةَ.
ذِكْرُ قَتْلِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ بِدِمَشْقَ
قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَتْلَ إِبْرَاهِيمَ الْأَسْدَابَاذِيِّ بِبَغْدَاذَ، وَهَرَبَ ابْنِ أُخْتِهِ بَهْرَامَ إِلَى الشَّامِ، وَمُلْكَهُ قَلْعَةَ بَانِيَاسَ، وَمَسِيرَهُ إِلَيْهَا، وَلَمَّا فَارَقَ دِمَشْقَ أَقَامَ لَهُ بِهَا خَلِيفَةً يَدْعُو النَّاسَ إِلَى مَذْهَبِهِ، فَكَثُرُوا وَانْتَشَرُوا، وَمَلَكَ هُوَ عِدَّةَ حُصُونٍ مِنِ الْجِبَالِ مِنْهَا الْقَدْمُوسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute