الْمَعْرُوفُ بِالرَّحَّالِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ رِحْلَتِهِ إِلَى الْمُلُوكِ -: مَنْ يُجِيزُ لِي لَطِيمَتِي هَذِهِ حَتَّى يُبْلِغَهَا عُكَاظَ؟ فَقَالَ الْبَرَّاضُ: أَنَا أُجِيزُهَا، أَبَيْتَ اللَّعْنَ، عَلَى كِنَانَةَ. فَقَالَ النُّعْمَانُ: إِنَّمَا أُرِيدُ مَنْ يُجِيزُهَا عَلَى كِنَانَةَ وَقَيْسٍ! فَقَالَ عُرْوَةُ: أَكَلْبٌ خَلِيعٌ يُجِيزُهَا لَكَ، أَبَيْتَ اللَّعْنَ! أَنَا أُجِيزُهَا عَلَى أَهْلِ الشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ وَأَهْلِ نَجْدٍ. فَقَالَ الْبَرَّاضُ، وَغَضِبَ: وَعَلَى كِنَانَةَ تُجِيزُهَا يَا عُرْوَةُ؟ قَالَ عُرْوَةُ: وَعَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ.
فَدَفَعَ النُّعْمَانُ اللَّطِيمَةَ إِلَى عُرْوَةَ الرَّحَّالِ وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ بِهَا، وَخَرَجَ الْبَرَّاضُ يَتْبَعُ أَثَرَهُ، وَعُرْوَةُ يَرَى مَكَانَهُ وَلَا يَخْشَى مِنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ عُرْوَةُ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ تَيْمَنُ بِنَوَاحِي فَدَكَ أَدْرَكَهُ الْبَرَّاضُ بْنُ قَيْسٍ فَأَخْرَجَ قِدَاحَهُ يَسْتَقْسِمُ بِهَا فِي قَتْلِ عُرْوَةَ، فَمَرَّ بِهِ عُرْوَةُ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ يَا بَرَّاضُ؟ فَقَالَ: أَسْتَقْسِمُ فِي قَتْلِكَ أَيُؤْذَنُ لِي أَمْ لَا. فَقَالَ عُرْوَةُ: اسْتُكَ أَضْيَقُ مِنْ ذَلِكَ! فَوَثَبَ إِلَيْهِ الْبَرَّاضُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ. فَلَمَّا رَآهُ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى الْعِيرِ وَالْأَحْمَالِ قَتِيلًا انْهَزَمُوا، فَاسْتَاقَ الْبَرَّاضُ الْعِيرَ وَسَارَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى خَيْبَرَ، وَتَبِعَهُ رَجُلَانِ مِنْ قَيْسٍ لِيَأْخُذَاهُ، أَحَدُهُمَا غَنَوِيٌّ وَالْآخَرُ غَطْفَانِيٌّ، وَاسْمُ الْغَنَوِيِّ أَسَدُ بْنُ جُوَيْنٍ، وَاسْمُ الْغَطَفَانِيِّ مُسَاوِرُ بْنُ مَالِكٍ، فَلَقِيَهُمَا الْبَرَّاضُ بِخَيْبَرَ أَوَّلَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُمَا: مَنِ الرَّجُلَانِ؟ قَالَا: مِنْ قَيْسٍ قَدِمْنَا لِنَقْتُلَ الْبَرَّاضَ. فَأَنْزَلَهُمَا وَعَقَلَ رَاحِلَتَيْهِمَا، ثُمَّ قَالَ أَيُّكُمَا أَجْرَأُ عَلَيْهِ وَأَجْوَدُ سَيْفًا؟ قَالَ الْغَطَفَانِيُّ: أَنَا. فَأَخَذَهُ وَمَشَى مَعَهُ لِيَدُلَّهُ بِزَعْمِهِ عَلَى الْبَرَّاضِ، فَقَالَ لِلْغَنَوِيِّ: احْفَظْ رَاحِلَتَيْكُمَا، فَفَعَلَ، وَانْطَلَقَ الْبَرَّاضُ بِالْغَطَفَانِيِّ حَتَّى أَخْرَجَهُ إِلَى خَرِبَةٍ فِي جَانِبِ خَيْبَرَ خَارِجًا مِنَ الْبُيُوتِ، فَقَالَ لِلْغَطَفَانِيِّ: هُوَ فِي هَذِهِ الْخَرِبَةِ إِلَيْهَا يَأْوِي فَأَمْهِلْنِي حَتَّى أَنْظُرَ أَهُوَ فِيهَا. فَوَقَفَ وَدَخَلَ الْبَرَّاضُ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: هُوَ فِيهَا وَهُوَ نَائِمٌ، فَأَرِنِي سَيْفَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ أَضَارِبٌ هُوَ أَمْ لَا، فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ، فَضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ ثُمَّ أَخْفَى السَّيْفَ، وَعَادَ إِلَى الْغَنَوِيِّ فَقَالَ لَهُ: لَمْ أَرَ رَجُلًا أَجْبَنَ مِنْ صَاحِبِكَ، تَرَكْتُهُ فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْبَرَّاضُ وَهُوَ نَائِمٌ فَلَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ: انْظُرْ لِي مَنْ يَحْفَظُ الرَّاحِلَتَيْنِ حَتَّى أَمْضِيَ إِلَيْهِ فَأَقْتُلَهُ، فَقَالَ: دَعْهُمَا وَهُمَا عَلَيَّ، ثُمَّ انْطَلَقَا إِلَى الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَهُ وَسَارَ بِالْعِيرِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، فَقَالَ لَهُ الْبَرَّاضُ: هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ أَجْعَلَ لَكَ جَعْلًا عَلَى أَنْ تَنْطَلِقَ إِلَى حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ وَقَوْمِي فَإِنَّهُمْ قَوْمِي وَقَوْمُكَ، لِأَنَّ أَسَدَ بْنَ خُزَيْمَةَ مِنْ خِنْدِفٍ أَيْضًا، فَتُخْبِرَهُمْ أَنَّ الْبَرَّاضَ بْنَ قَيْسٍ قَتَلَ عُرْوَةَ الرَّحَّالَ، فَلْيَحْذَرُوا قَيْسًا! وَجَعَلَ لَهُ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ. فَخَرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute