للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمِيرِ حَسَنْ تِكِينْ، وَعَادَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَلَمْ يَلْبَثْ حَسَنْ تِكِينْ أَنْ مَاتَ، فَمَلَّكَ سَنْجَرُ بَعْدَهُ عَلَيْهَا مَحْمُودَ بْنَ خَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقِيلَ إِنَّ السَّبَبَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَسَيَرِدُ ذِكْرُهُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذِكْرِهِ هُنَاكَ.

ذِكْرُ فَتْحِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي حِصْنَ الْأَثَارِبِ وَهَزِيمَةِ الْفِرِنْجِ

لَمَّا فَرَغَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي مِنْ أَمْرِ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ - حَلَبَ وَأَعْمَالِهَا - وَلَمَّا مَلَكَهُ وَقَرَّرَ قَوَاعِدَهُ، عَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَدِيَارِ الْجَزِيرَةِ لِيَسْتَرِيحَ عَسْكَرُهُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالتَّجَهُّزِ لِلْغُزَاةِ، فَتَجَهَّزُوا وَأَعَدُّوا وَاسْتَعَدُّوا، وَعَادَ إِلَى الشَّامِ وَقَصَدَ حَلَبَ، فَقَوِيَ عَزْمُهُ عَلَى قَصْدِ حِصْنِ الْأَثَارِبِ وَمُحَاصَرَتِهِ ; لِشِدَّةِ ضَرَرِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَهَذَا الْحِصْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَلَبَ نَحْوُ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْطَاكِيَّةَ، وَكَانَ مَنْ بِهِ مِنَ الْفِرِنْجِ يُقَاسِمُونَ حَلَبَ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِهَا الْغَرْبِيَّةِ، حَتَّى عَلَى رَحَىً لِأَهْلِ حَلَبَ بِظَاهِرِ بَابِ الْجِنَانِ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَلَدِ عَرْضُ الطَّرِيقِ، وَكَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ مَعَهُمْ فِي ضُرٍّ شَدِيدٍ وَضِيقٍ، كُلَّ يَوْمٍ قَدْ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُمْ.

فَلَمَّا رَأَى الشَّهِيدُ هَذِهِ الْحَالَ صَمَّمَ الْعَزْمَ عَلَى حَصْرِ هَذَا الْحِصْنِ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَنَازَلَهُ.

فَلَمَّا عَلِمَ الْفِرِنْجُ بِذَلِكَ جَمَعُوا فَارِسَهُمْ وَرَاجِلَهُمْ، وَعَلِمُوا أَنَّ هَذِهِ وَقْعَةٌ لَهَا مَا بَعْدَهَا، فَحَشَدُوا وَجَمَعُوا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ طَاقَتِهِمْ شَيْئًا إِلَّا اسْتَنْفَدُوهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ أَمْرِهِمْ سَارُوا نَحْوَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِيمَا يَفْعَلُ، وَكُلٌّ أَشَارَ بِالْعَوْدِ عَنِ الْحِصْنِ، فَإِنَّ لِقَاءَ الْفِرِنْجِ فِي بِلَادِهِمْ خَطَرٌ لَا يُدْرَى عَلَى أَيِ شَيْءٍ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْفِرِنْجَ مَتَّى رَأَوْنَا قَدْ عُدْنَا مِنْ أَيْدِيهِمْ طَمِعُوا وَسَارُوا فِي أَثَرِنَا، وَخَرَّبُوا بِلَادَنَا، وَلَا بُدَ مِنْ لِقَائِهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

ثُمَّ تَرَكَ الْحِصْنَ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ، فَالْتَقَوْا وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، وَصَبَرَ كُلُّ فَرِيقٍ لِخَصْمِهِ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَظَفِرُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>