يُحْصَى، وَرَكِبَ النَّاسُ وَالْحَافِظُ إِلَى دَارِهِ، فَأَخَذَ مَا بَقِيَ فِيهَا، وَحَمَلَهُ إِلَى الْقَصْرِ.
وَبُويِعَ يَوْمَئِذٍ الْحَافِظُ بِالْخِلَافَةِ، وَكَانَ قَدْ بُويِعَ لَهُ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ، وَأَنْ يَكُونَ كَافِلًا لِحَمْلٍ إِنْ كَانَ لِلْآمِرِ، فَلَمَّا بُويِعَ بِالْخِلَافَةِ اسْتَوْزَرَ أَبَا الْفَتْحِ يَانِسَ الْحَافِظِيَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ، وَلُقِّبَ أَمِيرَ الْجُيُوشِ، وَكَانَ عَظِيمَ الْهَيْبَةِ، بَعِيدَ الْغَوْرِ، كَثِيرَ الشَّرِّ، فَخَافَهُ الْحَافِظُ عَلَى نَفْسِهِ، وَتَخَيَّلَ مِنْهُ يَانِسَ فَاحْتَاطَ، وَلَمْ يَأْكُلْ عِنْدَهُ شَيْئًا وَلَا شَرِبَ، فَاحْتَالَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ بِأَنْ وَضَعَ لَهُ فَرَّاشُهُ فِي بَيْتِ الطَّهَارَةِ مَاءً مَسْمُومًا فَاغْتَسَلَ بِهِ، فَوَقَعَ الدُّودُ فِي سُفْلِهِ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى قُمْتَ مِنْ مَكَانِكَ هَلَكْتَ، فَكَانَ يُعَالَجُ بِأَنْ يُجْعَلَ اللَّحْمُ الطَّرِيُّ فِي الْمَحَلِّ، فَيَعْلَقُ بِهِ الدُّودُ فَيَخْرُجُ وَيُجْعَلُ عِوَضَهُ، فَقَارَبَ الشِّفَاءَ، فَقِيلَ لِلْحَافِظِ: إِنَّهُ قَدْ صَلُحَ، وَإِنْ تَحَرَّكَ هَلَكَ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ كَأَنَّهُ يَعُودُهُ، فَقَامَ لَهُ وَمَشَى إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ، وَقَعَدَ الْحَافِظُ عِنْدَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَتُوُفِّيَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَكَانَ مَوْتُهُ فِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
وَلَمَّا مَاتَ يَانِسَ اسْتَوْزَرَ الْحَافِظُ ابْنَهُ حَسَنًا، وَخَطَبَ لَهُ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ، وَسَيَرِدُ
ذِكْرُ قَتْلِهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ [وَخَمْسِمَائَةٍ] .
وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ أَلْقَابَ أَبِي عَلِيٍّ تَعَجُّبًا مِنْهَا وَمِنْ حَمَاقَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَإِنَّ وَزِيرَ صَاحِبِ مِصْرَ وَحْدَهَا إِذَا كَانَ هَكَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَزِيرُ السَّلَاطِينِ السَّلْجُوقِيَّةِ كَنِظَامِ الْمُلْكِ وَغَيْرِهِ، يَدَّعُونَ الرُّبُوبِيَّةَ، عَلَى أَنَّ تُرْبَةَ مِصْرَ هَكَذَا تُوَلِّدُ، أَلَا تَرَى إِلَى فِرْعَوْنَ يَقُولُ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: ٢٤] وَإِلَى أَشْيَاءَ أُخَرَ لَا نُطِيلُ ذِكْرَهَا.
ذِكْرُ حَالِ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ، وَالْمَلِكَيْنِ سَلْجُوقْشَاهْ وَدَاوُدَ، وَاسْتِقْرَارِ السَّلْطَنَةِ بِالْعِرَاقِ لِمَسْعُودٍ
لَمَّا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ مَحْمُودُ ابْنُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَخُطِبَ بِبِلَادِ الْجَبَلِ وَأَذْرَبِيجَانَ لِوَلَدِهِ الْمَلِكِ دَاوُدَ - عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ - سَارَ الْمَلِكُ دَاوُدُ مِنْ هَمَذَانَ فِي ذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute