وَبَقِيَ الْحِصَارُ عَلَى الْمَوْصِلِ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَظْفَرْ مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَلَا بَلَغَهُ عَمَّنْ بِهَا وَهَنٌ وَلَا قِلَّةُ مِيرَةٍ وَقُوتٍ، فَرَحَلَ عَنْهَا عَائِدًا إِلَى بَغْدَادَ، فَقِيلَ: إِنَّ نَظَرَ الْخَادِمِ وَصَلَ إِلَيْهِ عَسْكَرُ السُّلْطَانِ، وَأَبْلَغَهُ عَنِ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ مَا أَوْجَبَ مَسِيرَهُ، وَعَوْدِهِ إِلَى بَغْدَادَ، وَقِيلَ: بَلْ بَلَغَهُ أَنَّ السُّلْطَانَ مَسْعُودًا عَزَمَ عَلَى قَصْدِ الْعِرَاقِ فَعَادَ بِالْجُمْلَةِ، وَأَنَّهُ رَحَلَ عَنْهَا مُنْحَدِرًا فِي شَبَّارَةِ فِي دِجْلَةَ فَوَصَلَ إِلَى بَغْدَادَ يَوْمَ عَرَفَةَ.
ذِكْرُ مُلْكِ شَمْسِ الْمُلُوكِ مَدِينَةَ حَمَاةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا فِي شَوَّالٍ، مَلَكَ شَمْسُ الْمُلُوكِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ تَاجِ الْمُلُوكِ صَاحِبُ دِمَشْقَ مَدِينَةَ حَمَاةَ وَقَلْعَتَهَا، وَهِيَ لِأَتَابَكِ زَنْكِي بْنِ آقَسُنْقَرَ أَخَذَهَا مِنْ تَاجِ الْمُلُوكِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَمَّا مَلَكَ شَمْسُ الْمُلُوكِ قَلْعَةَ بَانِيسَ أَقَامَ بِدِمَشْقَ إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى حَمَاةَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ.
وَسَبَبُ طَمَعِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمُسْتَرْشِدَ بِاللَّهِ يُرِيدُ [أَنْ] يَحْصُرُ الْمَوْصِلَ فَطَمِعَ، وَكَانَ الْوَالِي بِحَمَاةَ قَدْ سَمِعَ الْخَبَرَ فَتَحَصَّنَ وَاسْتَكْثَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالذَّخَائِرِ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ شَمْسِ الْمُلُوكِ إِلَّا وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ قَصْدِهَا; لِقُوَّةِ صَاحِبِهَا، فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ، وَسَارَ إِلَيْهَا وَحَصَرَ الْمَدِينَةَ، وَقَاتَلَ مَنْ بِهَا يَوْمَ الْعِيدِ، وَزَحَفَ إِلَيْهَا مِنْ وَقْتِهِ، فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ وَقَاتَلُوهُ، فَعَادَ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ بَكَّرَ إِلَيْهِمْ وَزَحَفَ إِلَى الْبَلَدِ مِنْ جَوَانِبِهِ، فَمَلَكَهُ قَهْرًا وَعَنْوَةً، وَطَلَبَ مَنْ بِهِ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ وَحَصَرَ الْقَلْعَةَ، وَلَمْ تَكُنْ فِي الْحَصَانَةِ وَالْعُلُوِّ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، فَإِنَّ تَقِيَّ الدِّينِ عُمَرَ ابْنَ أَخِي صَلَاحِ الدِّينِ قَطَعَ جَبَلَهَا وَعَمِلَهَا هَكَذَا فِي سِنِينَ كَثِيرَةٍ، فَلَمَّا حَصَرَهَا عَجَزَ الْوَالِي بِهَا عَنْ حِفْظِهَا فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَعَلَى مَا بِهَا مِنْ ذَخَائِرَ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى قَلْعَةِ شَيْزَرَ وَبِهَا صَاحِبُهَا مِنْ بَنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute