شَوَانِيهِ تِلْكَ السَّاعَةَ مِنِ الْمِينَاءِ، فَأُخِذَ مِنْ تِلْكَ الشَّوَانِي أَرْبَعُ قِطَعٍ، وَهُزِمَ الْبَاقِي.
ثُمَّ وَصَلَتْهُ نَجْدَةٌ مِنْ رَجَارَ الْفِرِنْجِيِّ صَاحِبِ صِقِلِّيَةَ فِي الْبَحْرِ فِي عِشْرِينَ قِطْعَةً، فَحُصِرَتْ شَوَانِي صَاحِبِ بِجَايَةَ، فَأَمَرَهُمُ الْحَسَنُ بِإِطْلَاقِهَا فَأَطْلَقُوهَا، ثُمَّ وَصَلَ مَيْمُونُ بْنُ زِيَادٍ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الْعَرَبِ لِنُصْرَةِ الْحَسَنِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُطَرِّفٌ، وَأَنَّ النَّجَدَاتِ تَأْتِي الْحَسَنَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِمْ، فَرَحَلَ عَنِ الْمَهْدِيَّةِ خَائِبًا، وَأَقَامَ رَجَارُ الْفِرِنْجِيُّ مُظْهِرًا لِلْحَسَنِ أَنَّهُ مُهَادَنُهُ وَمُوَافِقُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعْمُرُ الشَّوَانِيَ وَيُكَثِّرُ عَدَدَهَا.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ الْفِرِنْجِ عَلَى جَزِيرَةِ جَرْبَةَ
كَانَتْ جَزِيرَةُ جَرْبَةَ مِنْ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ قَدِ اسْتَوَتْ فِي كَثْرَةِ عِمَارَتِهَا وَخَيْرَاتِهَا، غَيْرَ أَنَّ أَهْلَهَا طَغَوْا فَلَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ طَاعَةِ سُلْطَانٍ، وَيُعْرَفُونَ بِالْفَسَادِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا جَمْعٌ مِنَ الْفِرِنْجِ أَهْلِ صِقِلِّيَةَ فِي أُسْطُولٍ كَثِيرٍ وَجَمٍّ غَفِيرٍ، فِيهِ مِنْ مَشْهُورِي فُرْسَانِ الْفِرِنْجِ جَمَاعَةٌ، فَنَزَلُوا بِسَاحَتِهَا وَأَدَارُوا الْمَرَاكِبَ بِجِهَاتِهَا.
وَاجْتَمَعَ أَهْلُهَا، وَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَوَقَعَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ، فَثَبَتَ أَهْلُ جَرْبَةَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ بِشْرٌ كَثِيرٌ، فَانْهَزَمُوا وَمَلَكَ الْفِرِنْجُ الْجَزِيرَةَ، وَغَنِمُوا أَمْوَالَهَا وَسَبَوْا نِسَاءَهَا وَأَطْفَالَهَا، وَهَلَكَ أَكْثَرُ رِجَالِهَا، وَمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ أَخَذُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَمَانًاِ مِنْ رَجَارَ مَلِكِ صِقِلِّيَةَ، وَافْتَكُّوا أَسْرَاهُمْ وَسَبْيَهُمْ وَحَرِيمَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ حِصْنَ رُوطَةَ مِنْ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اصْطَلَحَ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ بْنِ هُودٍ وَالسُّلَيْطِينُ الْفِرِنْجِيُّ صَاحِبُ طُلَيْطُلَةَ مِنْ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ.
وَكَانَ السُّلَيْطِينُ قَدْ أَدْمَنَ غَزْوَ بِلَادِ الْمُسْتَنْصِرِ وَقِتَالَهُ حَتَّى ضَعُفَ الْمُسْتَنْصِرُ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ لِقِلَّةِ جُنُودِهِ وَكَثْرَةِ الْفِرِنْجِ، فَرَأَى أَنْ يُصَالِحَهُ مُدَّةً يَسْتَرِيحُ فِيهَا هُوَ وَجُنُودُهُ، وَيَعْتَدُّونَ لِلْمُعَاوَدَةِ، فَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمْ، فَاسْتَقَرَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute