مَالَهُ، وَانْحَدَرَ أَتَابَكْ زَنْكِي إِلَيْهِ لِدَفْعِهِ عَنْهَا، وَاصْطَلَحَا، وَعَادَ زَنْكِي إِلَى بَغْدَادَ، وَعَبْرَ إِلَى طَرِيقِ خُرَاسَانَ، وَحَثَّ عَلَى جَمْعِ الْعَسَاكِرِ لِلِقَاءِ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ.
وَسَارَ الْمَلِكُ دَاوُدُ نَحْوَ طَرِيقِ خُرَاسَانَ أَيْضًا، فَنَهَبَ الْعَسْكَرُ الْبِلَادَ وَأَفْسَدُوا، وَوَصَلَتِ الْأَخْبَارُ بِمَسِيرِ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ إِلَى بَغْدَادَ لِقَتَالِ الْمَلِكِ، وَفَارَقَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَأَتَابَكْ زَنْكِي، فَعَادَ أَتَابَكْ زَنْكِي إِلَى بَغْدَادَ، وَفَارَقَ الْمَلِكَ دَاوُدَ، وَأَظْهَرَ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى مَرَاغَةَ إِذَا فَارَقَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ هَمَذَانَ، فَبَرَزَ الرَّاشِدُ بِاللَّهِ إِلَى ظَاهِرِ بَغْدَادَ أَوَّلَ رَمَضَانَ، وَسَارَ إِلَى طَرِيقِ خُرَاسَانَ، ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَنَزَلَ عِنْدَ جَامِعِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَى بَغْدَادَ خَامِسَ رَمَضَانَ، وَأَرْسَلَ إِلَى دَاوُدَ وَسَائِرِ الْأُمَرَاءِ يَأْمُرُهُمْ بِالْعَوْدِ إِلَى بَغْدَادَ، فَعَادُوا وَنَزَلُوا فِي الْخِيَامِ، وَعَزَمُوا عَلَى قِتَالِ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ مِنْ دَاخِلِ سُورِ بَغْدَادَ.
وَوَصَلَتْ رُسُلُ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ يَبْذُلُ مِنْ نَفْسِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُوَافَقَةَ لِلْخَلِيفَةِ، وَالتَّهْدِيدَ لِمَنِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ، فَعَرَضَ الْخَلِيفَةُ الرِّسَالَةَ عَلَيْهِمْ فَكُلُّهُمْ رَأَى قِتَالَهُ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ:
وَأَنَا أَيْضًا مَعَكُمْ (عَلَى ذَلِكَ) .
ذِكْرُ مُلْكِ شِهَابِ الدِّينِ حِمْصَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، تَسَلَّمَ شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودٌ صَاحِبُ دِمَشْقَ مَدِينَةَ حِمْصَ وَقَلْعَتَهَا.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَهَا أَوْلَادَ الْأَمِيرِ خَيْرَخَانْ بْنِ قُرَاجَا، وَالْوَالِي بِهَا مِنْ قَبَلِهِمْ، ضَجِرُوا مِنْ كَثْرَةِ تَعَرُّضِ عَسْكَرِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي إِلَيْهَا وَإِلَى أَعْمَالِهَا، وَتَضْيِيقِهِمْ عَلَى مَنْ بِهَا مِنْ جُنْدِيٍّ وَعَامِّيٍّ، فَرَاسَلُوا شِهَابَ الدِّينِ فِي أَنْ يُسَلِّمُوهَا إِلَيْهِ وَيُعْطِيَهُمْ عِوَضًا عَنْهَا تَدْمُرَ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَسَارَ إِلَيْهَا، وَتَسَلَّمَهَا مِنْهُمْ فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ، وَسَلَّمَ إِلَيْهَا تَدْمُرَ، وَأَقْطَعَ حِمْصَ مَمْلُوكَ جَدِّهِ مُعِينَ الدِّينِ أُنُزَ، وَجَعَلَ فِيهَا نَائِبًا عَنْهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِهِ وَعَادَ مِنْهَا إِلَى دِمَشْقَ.
فَلَمَّا رَأَى عَسْكَرُ زَنْكِي الَّذِينَ بِحَلَبَ وَحَمَاةَ خُرُوجَ حِمْصَ عَنْ أَيْدِيهِمْ تَابَعُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute