ذِكْرُ قَتْلِ مَحْمُودٍ صَاحِبِ دِمَشْقَ، وَمُلْكِ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي شَوَّالٍ قُتِلَ شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ تَاجِ الْمُلُوكِ بُورِي بْنِ طُغْدِكِينَ صَاحِبُ دِمَشْقَ عَلَى فِرَاشِهِ غِيلَةً، قَتَلَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ غِلْمَانِهِ، هُمْ خَوَاصُّهُ وَأَقْرَبُ النَّاسِ مِنْهُ فِي خَلْوَتِهِ وَجَلَوْتِهِ، وَكَانُوا يَنَامُونَ عِنْدَهُ لَيْلًا، فَقَتَلُوهُ، وَخَرَجُوا مِنَ الْقَلْعَةِ وَهَرَبُوا، فَنَجَا أَحَدُهُمْ وَأُخِذَ الْآخَرَانِ فَصُلِبَا.
وَكَتَبَ مَنْ بِدِمَشْقَ إِلَى أَخِيهِ جَمَالِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ بُورِي صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ وَهُوَ بِهَا بِصُورَةِ الْحَالِ، وَاسْتَدْعَوْهُ لِيَمْلِكَ بَعْدَ أَخِيهِ، فَحَضَرَ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ الْبَلَدَ جَلَسَ لِلْعَزَاءِ بِأَخِيهِ، وَحَلَفَ لَهُ الْجُنْدُ وَأَعْيَانُ الرَّعِيَّةِ، وَسَكَنَ النَّاسُ، وَفَوَّضَ أَمْرَ دَوْلَتِهِ إِلَى مُعِينِ الدِّينِ أُنُزَ مَمْلُوكِ جَدِّهِ، وَزَادَ فِي عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ، وَصَارَ هُوَ الْجُمْلَةُ وَالتَّفْصِيلُ، وَكَانَ أُنُزُ خَيِّرًا عَاقِلًا حَسَنَ السِّيرَةِ، فَجَرَتِ الْأُمُورُ عِنْدَهُ عَلَى أَحْسَنِ نِظَامٍ.
ذِكْرُ مُلْكِ زَنْكِي بَعْلَبَكَّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَارَ عِمَادُ الدِّينِ أَتَابَكْ زَنْكِي بْنُ آقَسُنْقُرَ إِلَى بَعْلَبَكَّ، فَحَصَرُهَا ثُمَّ مَلَكَهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنْ مَحْمُودًا صَاحِبَ دِمَشْقَ لَمَّا قُتِلَ كَانَتْ وَالِدَتُهُ زُمُرُّدُ خَاتُّونُ عِنْدَ أَتَابَكْ زَنْكِي بِحَلَبَ قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَوَجَدَتْ لِقَتْلِ وَلَدِهَا وَجْدًا شَدِيدًا، وَحَزِنَتْ عَلَيْهِ، وَأَرْسَلَتْ إِلَى زَنْكِي وَهُوَ بِدِيَارِ الْجَزِيرَةِ تُعَرِّفُهُ الْحَادِثَةَ، وَتَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَقْصِدَ دِمَشْقَ وَيَطْلُبَ بِثَأْرِ وَلَدِهَا.
فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الرِّسَالَةِ بَادَرَ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا تَرَيُّثٍ، وَسَارَ مُجِدًّا لِيَجْعَلَ ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى مُلْكِ الْبَلَدِ، وَعَبَرَ الْفُرَاتَ عَازِمًا عَلَى قَصْدِ دِمَشْقَ، فَاحْتَاطَ مَنْ بِهَا وَاسْتَعَدُّوا، وَاسْتَكْثَرُوا مِنَ الذَّخَائِرِ، وَلَمْ يَتْرُكُوا شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلَّا وَبَذَلُوا الْجُهْدَ فِي تَحْصِيلِهِ، وَأَقَامُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute