قَرَاسُنْقُرُ الْبِلَادَ، وَتَصَرَّفَ فِيهَا وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا دَافِعٌ وَلَا مَانِعٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْمَقَامُ، وَمَلَكَ [الْمُدُنَ] الَّتِي فِي فَارِسَ، فَسَلَّمَ الْبِلَادَ إِلَى الْمَلِكِ سَلْجُوقْشَاهَ ابْنِ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، وَقَالَ لَهُ:
هَذِهِ الْبِلَادُ لَكَ فَامْلِكِ الْبَاقِي، وَعَادَ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، فَنَزَلَ حِينَئِذٍ بُوزَابَةُ مِنَ الْقَلْعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ [وَخَمْسِمَائَةٍ] ، وَهَزَمَ سَلْجُوقْشَاهْ وَمَلَكَ الْبِلَادَ، وَأَسَرَ سَلْجُوقْشَاهْ وَسَجَنَهُ فِي قَلْعَةٍ بِفَارِسَ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي صَفَرٍ تُوُفِّيَ الْوَزِيرُ شَرَفُ الدِّينِ أَنُوشِرْوَانُ بْنُ خَالِدٍ مَعْزُولًا بِبَغْدَادَ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ فَمَنْ دُونَهُ، وَدُفِنَ فِي دَارِهِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَدُفِنَ فِي مَشْهَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَكَانَ فِيهِ تَشَيُّعٌ، وَهُوَ كَانَ السَّبَبُ فِي عَمَلِ " الْمَقَامَاتِ الْحَرِيرِيَّةِ "، وَكَانَ رَجُلًا عَاقِلًا شَهْمًا، دَيِّنًا خَيِّرًا، وَزَرَ لِلْخَلِيفَةِ الْمُسْتَرْشِدِ، وَلِلسُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، وَلِلسُّلْطَانِ مَسْعُودٍ، وَكَانَ يَسْتَقِيلُ مِنِ الْوِزَارَةِ فَيُجَابُ إِلَى ذَلِكَ ثُمَّ يُخْطَبُ إِلَيْهَا فَيُجِيبُ كَارِهًا.
وَفِيهَا قَدِمَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ بَغْدَادَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَ الزَّمَانُ شِتَاءً، وَصَارَ يُشَتِّي بِالْعِرَاقِ، وَيُصَيِّفُ بِالْجِبَالِ، وَلَمَّا قَدِمَهَا أَزَالَ الْمُكُوسَ، وَكَتَبَ الْأَلْوَاحَ بِإِزَالَتِهَا، وَوُضِعَتْ عَلَى أَبْوَابِ الْجَوَامِعِ وَفِي الْأَسْوَاقِ، وَتَقَدَّمَ أَنْ لَا يَنْزِلُ جُنْدِيٌّ فِي دَارِ عَامِّيٍّ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ إِلَّا بِإِذْنٍ، فَكَثُرَ الدُّعَاءُ لَهُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ، وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ الْكَمَالَ الْخَازِنَ وَزِيرَ السُّلْطَانِ.
وَفِيهَا فِي صَفَرٍ، كَانَتْ زَلَازِلُ كَثِيرَةٌ هَائِلَةٌ بِالشَّامِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَكَثِيرٍ مِنِ الْبِلَادِ، وَكَانَ أَشَدُّهَا بِالشَّامِ، وَكَانَتْ مُتَوَالِيَةً عِدَّةَ لَيَالٍ، كُلَّ لَيْلَةٍ عِدَّةُ دَفَعَاتٍ، فَخَرِبَ كَثِيرٌ مِنِ الْبِلَادِ لَا سِيَّمَا حَلَبَ، فَإِنَّ أَهْلَهَا لَمَّا كَثُرَتْ عَلَيْهِمْ فَارَقُوا بُيُوتَهُمْ، وَخَرَجُوا [إِلَى] الصَّحْرَاءِ، وَعَدُّوا لَيْلَةً وَاحِدَةً جَاءَتْهُمْ ثَمَانِينَ مَرَّةً، وَلَمْ تَزَلْ بِالشَّامِ تَتَعَاهَدُهُمْ مِنْ رَابِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute