ذِكْرُ حَصْرِ زَنْكِي حِصْنَيْ جَعْبَرَ وَفَنَكَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ أَتَابَكُ زَنْكِي إِلَى حِصْنِ جَعْبَرَ، وَهُوَ مُطِلٌّ عَلَى الْفُرَاتِ، وَكَانَ بِيَدِ سَالِمِ بْنِ مَالِكٍ الْعُقَيْلِيِّ سَلَّمَهُ السُّلْطَانُ مَلِكْشَاهْ إِلَى أَبِيهِ لَمَّا أَخَذَ مِنْهُ حَلَبَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، فَحَصَرَهُ وَسَيَّرَ جَيْشًا إِلَى قَلْعَةِ فَنَكَ، وَهِيَ تُجَاوِرُ جَزِيرَةَ ابْنِ عُمَرَ، بَيْنَهُمَا فَرْسَخَانِ، فَحَصَرَهُمَا أَيْضًا، وَصَاحِبُهَا حِينَئِذٍ الْأَمِيرُ حُسَامُ الدَّيْنِ الْكُرْدِيُّ الْبَشْنَوِيُّ.
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ فِي وَسَطِ بِلَادِهِ مَا هُوَ مُلْكُ غَيْرِهِ، حَزْمًا وَاحْتِيَاطًا، فَنَازَلَ قَلْعَةَ جَعْبَرَ وَحَصَرَهَا، وَقَاتَلَهُ مَنْ بِهَا، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِهَا، مَعَ الْأَمِيرِ حَسَّانٍ الْمَنْبِجِيِّ لِمَوَدَّةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا، فِي مَعْنَى تَسْلِيمِهِمَا، وَقَالَ لَهُ: تَضْمَنُ عَنِّي الْإِقْطَاعَ الْكَثِيرَ وَالْمَالَ الْجَزِيلَ، فَإِنْ أَجَابَ إِلَى التَّسْلِيمِ، وَإِلَّا فَقُلْ لَهُ: وَاللَّهِ لَأُقِيمَنَّ عَلَيْكَ إِلَى أَنْ أَمْلِكَهَا عَنْوَةً، ثُمَّ لَا أُبْقِي عَلَيْكَ، وَمَنِ الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنِّي؟
فَصَعِدَ إِلَيْهِ حَسَّانٌ، وَأَدَّى إِلَيْهِ الرِّسَالَةَ، وَوَعَدَهُ، وَبَذَلَ لَهُ مَا قِيلَ لَهُ، فَامْتَنَعَ مِنَ التَّسْلِيمِ، فَقَالَ لَهُ حَسَّانٌ: فَهُوَ يَقُولُ لَكَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي مِنْهُ الَّذِي مَنَعَكَ مِنَ الْأَمِيرِ بَلْكَ. فَعَادَ حَسَّانٌ وَأَخْبَرَ الشَّهِيدَ بِامْتِنَاعِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ هَذَا، فَقُتِلَ أَتَابَكُ بَعْدَ أَيَّامٍ.
وَكَانَتْ قِصَّةُ حَسَّانٍ مَعَ بَلْكَ ابْنِ (أَخِي) إِيلْغَازِي أَنَّ حَسَّانًا كَانَ صَاحِبَ مَنْبِجَ، فَحَصَرَهُ بَلْكُ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ (يُقَاتِلُهُ، جَاءَهُ) سَهْمٌ لَا يُعْرَفُ مَنْ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ، وَخَلُصَ حَسَّانٌ مِنَ الْحَصْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ الِاتِّفَاقِ الْحَسَنِ.
وَلَمَّا قُتِلَ أَتَابَكُ زَنْكِي حَلَّ الْعَسْكَرُ الَّذِينَ كَانُوا يُحَاصِرُونَ قَلْعَةَ فَنَكَ عَنْهَا، وَهِيَ بَيْدِ أَعْقَابِ صَاحِبِهَا إِلَى الْآنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ لَهُمْ بِهَا نَحْوَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، وَلَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute