الْعِمَارَةِ، وَهُوَ الْآنَ فِي وَسَطِ الْعِمَارَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا أَرْضٌ بِرَاحٌ، وَحَدَّثَنِي أَيْضًا أَنَّهُ وَصَلَ إِلَى الْجَزِيرَةِ فِي الشِّتَاءِ، فَدَخَلَ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ الدُّبَيْسِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أُمَرَائِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَقْطَاعِهِ مَدِينَةَ دَقُوقَا، وَنَزَلَ فِي دَارِ إِنْسَانٍ يَهُودِيٍّ، فَاسْتَغَاثَ الْيَهُودِيُّ إِلَى أَتَابَكَ، وَأَنْهَى حَالَهُ إِلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى الدُّبَيْسِيِّ فَتَأَخَّرَ، وَدَخَلَ الْبَلَدَ وَأَخْرَجَ بَرْكَهُ وَخِيَامَهُ. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ غِلْمَانَهُ يَنْصِبُونَ خِيَامَهُ فِي الْوَحْلِ، وَقَدْ جَعَلُوا عَلَى الْأَرْضِ تِبْنًا يَقِيهِمُ الطِّينَ، وَخَرَجَ فَنَزَلَهَا، وَكَانَتْ سِيَاسَتُهُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ.
وَكَانَتِ الْمَوْصِلُ مِنْ أَقَلِ بِلَادِ اللَّهِ فَاكِهَةً، فَصَارَتْ فِي أَيَّامِهِ، وَمَا بَعْدَهَا، مَنْ أَكْثَرِ الْبِلَادِ فَوَاكِهَ وَرَيَاحِينَ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَكَانَ أَيْضًا شَدِيدَ الْغَيْرَةِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى نِسَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنْ لَمْ نَحْفَظْ نِسَاءَ الْأَجْنَادِ بِالْهَيْبَةِ، وَإِلَّا فَسَدْنَ لِكَثْرَةِ غَيْبَةِ أَزْوَاجِهِنَّ فِي الْأَسْفَارِ.
وَكَانَ أَشْجَعَ خَلْقِ اللَّهِ، أَمَّا قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ فَيَكْفِيهِ أَنَّهُ حَضَرَ مَعَ الْأَمِيرِ مَوْدُودٍ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ مَدِينَةَ طَبَرِيَّةَ، وَهِيَ لِلْفِرِنْجِ، فَوَصَلَتْ طَعْنَتُهُ بَابَ الْبَلَدِ وَأَثَّرَ فِيهِ، وَحَمَلَ أَيْضًا عَلَى قَلْعَةِ عُقَرَ الْحُمَيْدِيَّةِ، وَهِيَ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ، فَوَصَلَتْ طَعْنَتُهُ إِلَى سُورِهَا، إِلَى أَشْيَاءَ أُخَرَ.
وَأَمَّا بَعْدَ الْمُلْكِ فَقَدْ كَانَ الْأَعْدَاءُ مُحْدِقِينَ بِبِلَادِهِ، وَكُلُّهُمْ يَقْصِدُهَا، وَيُرِيدُ أَخْذَهَا، وَهُوَ لَا يَقْنَعُ بِحِفْظِهَا، حَتَّى إِنَّهُ لَا يَنْقَضِي عَلَيْهِ عَامٌ إِلَّا وَيَفْتَحُ مِنْ بِلَادِهِمْ. فَقَدْ كَانَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ مُجَاوِرَهُ فِي نَاحِيَةِ تَكْرِيتَ، وَقَصَدَ الْمَوْصِلَ وَحَصَرَهَا، ثُمَّ إِلَى جَانِبِهِ، مِنْ نَاحِيَةِ شَهْرَزُورَ وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ ; ثُمَّ ابْنُ سُقْمَانَ صَاحِبُ خِلَاطَ ; ثُمَّ دَاوُدُ بْنُ سُقْمَانَ صَاحِبُ حِصْنِ كِيفَا ; ثُمَّ صَاحِبُ آمِدَ وَمَارِدِينَ ; ثُمَّ الْفِرِنْجُ مِنْ مُجَاوَرَةِ مَارِدِينَ إِلَى دِمَشْقَ ; ثُمَّ أَصْحَابُ دِمَشْقَ، فَهَذِهِ الْوِلَايَاتُ قَدْ أَحَاطَتْ بِوِلَايَتِهِ مِنْ كُلِّ جِهَاتِهَا، فَهُوَ يَقْصِدُ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً، وَيَأْخُذُ مِنْ هَذَا وَيُصَانِعُ هَذَا، إِلَى أَنْ مَلَكَ مِنْ كُلِّ مَنْ يَلِيَهُ طَرَفًا مِنْ بِلَادِهِ، وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى أَخْبَارِهِ فِي كِتَابِ " الْبَاهِرِ " فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute