وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَرْكَبِهِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ الْحَسَنِ رُقْعَةً إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى جَنَاحِ طَائِرٍ يُخْبِرُ بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ يُوسُفَ، فَسَيَّرَ الْحَسَنُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْبَحْرِ، فَأَخَذُوا رَسُولَ يُوسُفَ وَأَحْضَرُوهُ عِنْدَ الْحَسَنِ، فَسَبَّهُ وَقَالَ: مَلَّكْتَ الْفِرِنْجَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ وَطَوَّلْتَ لِسَانَكَ بِذَمِّي! ثُمَّ أَرْكَبَهُ جَمَلًا وَعَلَى رَأْسِهِ طُرْطُورٌ بِجَلَاجِلَ وَطِيفَ بِهِ فِي الْبَلَدِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ سَعَى أَنْ يُمَلِّكَ الْفِرِنْجَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا تَوَسَّطَ الْمَهْدِيَّةَ ثَارَ بِهِ الْعَامَّةُ فَقَتَلُوهُ بِالْحِجَارَةِ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ الْمَرِيَّةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَنْدَلُسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي جُمَادَى الْأُولَى، حَصَرَ الْفِرِنْجُ مَدِينَةَ الْمَرِيَّةِ مِنَ الْأَنْدَلُسِ، وَضَيَّقُوا عَلَيْهَا بَرًّا وَبَحْرًا، فَمَلَكُوهَا عَنْوَةً، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ بِهَا وَالنَّهْبَ، وَمَلَكُوا أَيْضًا مَدِينَةَ بَيَّاسَةَ وَوِلَايَةَ جَيَّانَ، وَكُلُّهَا بِالْأَنْدَلُسِ، ثُمَّ اسْتَعَادَهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ مُلْكِ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ زَنْكِي عِدَّةَ مَوَاضِعَ مِنْ بَلَدِ الْفِرِنْجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ دَخَلَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي صَاحِبُ حَلَبَ بَلَدَ الْفِرِنْجِ، فَفَتَحَ مِنْهُ مَدِينَةَ أَرْتَاحَ بِالسَّيْفِ وَنَهَبَهَا، وَحِصْنَ مَابُولَةَ، وَبُصْرَفُونَ وَكَفَرْلَاثَا. وَكَانَ الْفِرِنْجُ بَعْدَ قَتْلِ وَالِدِهِ زَنْكِي قَدْ طَمِعُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ بَعْدَهُ يَسْتَرِدُّونَ مَا أَخَذَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا مِنْ نُورِ الدِّينِ هَذَا الْجِدَّ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ عَلِمُوا أَنَّ مَا أَمَّلُوهُ بِعِيدٌ.
ذِكْرُ أَخْذِ الْحِلَّةِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ دُبَيْسٍ وَعَوْدِهِ إِلَيْهَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَثُرَ فَسَادُ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ دُبَيْسٍ بِالْحِلَّةِ وَمَا جَاوَرَهَا، وَكَثُرَتِ الشَّكَاوَى مِنْهُ، فَأَقْطَعَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ الْحِلَّةَ لِلْأَمِيرِ سَلَارْكُرْدَ، فَسَارَ إِلَيْهَا مِنْ هَمَذَانَ وَمَعَهُ عَسْكَرٌ، وَانْضَافَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ عَسْكَرِ بَغْدَادَ، وَقَصَدُوا الْحِلَّةَ، فَجَمَعَ عَلِيٌّ عَسْكَرَهُ وَحَشَدَ، وَالتَقَى الْعَسْكَرَانِ بِمُطَيْرَابَاذَ، فَانْهَزَمَ عَلِيٌّ، وَمَلَكَ سَلَارْكُرْدُ الْحِلَّةَ، وَاحْتَاطَ عَلَى أَهْلِ عَلِيٍّ وَرَجَعَتِ الْعَسَاكِرُ، وَأَقَامَ هُوَ بِالْحِلَّةِ فِي مَمَالِيكِهِ وَأَصْحَابِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute