ذِكْرُ مُلْكِ الْغُورِيَّةِ هَرَاةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ مَلِكُ الْغُورِ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ مِنْ بِلَادِ الْغُورِ إِلَى هَرَاةَ فَحَصَرَهَا، وَكَانَ أَهْلُهَا قَدْ كَاتَبُوهُ، وَطَلَبُوا أَنْ يُسَلِّمُوا الْبَلَدَ إِلَيْهِ هَرَبًا مِنْ ظُلْمِ الْأَتْرَاكِ لَهُمْ، وَزَالَ هَيْبَةُ السَّلْطَنَةِ عَنْهُمْ، فَامْتَنَعَ أَهْلُ هَرَاةَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَيْهِ وَسَلَّمُوا الْبَلَدَ وَأَطَاعُوهُ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ، وَغَمَرَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَأَظْهَرَ طَاعَةَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَالْقِيَامَ عَلَى الْوَفَاءِ لَهُ، وَالِانْقِيَادَ إِلَيْهِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَمَرَ عَلَاءُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ مَسْعُودٍ الْغَالِبُ عَلَى أَمْرِ طُرَيْثِيثَ الَّتِي بِيَدِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، بِإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ لِلْخَلِيفَةِ، وَلُبْسِ السَّوَادِ، فَفَعَلَ الْخَطِيبُ ذَلِكَ، فَثَارَ بِهِ عَمُّهُ وَأَقَارِبُهُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَقَاتَلُوهُ، وَكَسَرُوا الْمِنْبَرَ وَقَتَلُوا الْخَطِيبَ.
وَكَانَ فِعْلُ عَلَاءِ الدِّينِ هَذَا لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ مُسْلِمًا، فَلَمَّا تَغَلَّبَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ عَلَى طُرَيْثِيثَ أَظْهَرَ مُوَافَقَتَهُمْ، وَأَبْطَنَ اعْتِقَادَ الشَّرِيعَةِ، وَكَانَ يُنَاظِرُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَازْدَادَ تَقَدُّمًا بِطُرَيْثِيثَ، وَجَرَتْ أُمُورُهَا بِإِرَادَتِهِ ; فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى أَنْ يُغَسِّلَهُ فَقِيهٌ شَافِعِيٌّ، وَأَوْصَى إِلَى ابْنِهِ عَلَاءِ الدِّينِ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُعِيدَ فِيهَا إِظْهَارَ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ فَعَلَ. فَلَمَّا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً فَعَلَهُ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ.
وَفِيهَا كَثُرَ الْمَرَضُ بِالْعِرَاقِ لَا سِيَّمَا بِبَغْدَادَ، وَكَثُرَ الْمَوْتُ أَيْضًا فِيهَا، فَفَارَقَهَا السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْأَمِيرُ عَلِيُّ بْنُ دُبَيْسِ بْنِ صَدَقَةَ صَاحِبُ الْحِلَّةِ بِأَسْدَابَادَ، وَاتَّهَمَ طَبِيبَهُ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحٍ الْمُوَاطَأَةَ عَلَيْهِ، فَمَاتَ الطَّبِيبُ بَعْدَهُ بِقَرِيبٍ.
وَفِيهَا اسْتَوْزَرَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ صَاحِبُ بِلَادِ الْمَغْرِبِ أَبَا جَعْفَرِ بْنَ أَبِي أَحْمَدَ الْأَنْدَلُسِيَّ، وَكَانَ مَأْسُورًا عِنْدَهُ، فَوُصِفَ لَهُ بِالْعَقْلِ وَجَوْدَةِ الْكِتَابَةِ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحَبْسِ وَاسْتَوْزَرَهُ، وَهُوَ أَوَّلُ وَزِيرٍ كَانَ لِلْمُوَحِّدِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute