وَقَاتَلُوهُمْ، فَانْهَزَمَ الْغُورِيَّةُ، وَثَبَتَ شِهَابُ الدِّينِ وَسَارَ الْغُزُّ خَلْفَ الْمُنْهَزِمِينَ فَعَطَفَ شِهَابُ الدِّينِ فِيمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ عَلَى صَاحِبِ عَلَمِهِمْ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ الْعَلَمَ، وَتَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ، فَتَرَاجَعَ الْغُزُّ، وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِمَا كَانَ مِنْ شِهَابِ الدِّينِ، فَجَاءُوا يَطْلُبُونَ عَلَمَهُمْ، فَكُلَّمَا جَاءَ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ قَتَلَهُمْ، فَأَتَى عَلَى أَكْثَرِهِمْ، وَدَخَلَ غَزْنَةَ وَتَسَلَّمَهَا وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِهَا وَأَفَاضَ الْعَدْلَ.
وَسَارَ مِنْ غَزْنَةَ إِلَى كَرْمَانَ وَشَنَوْرَانَ فَمَلَكَهُمَا، ثُمَّ تَعَدَّى إِلَى مَاءِ السِّنْدِ، وَعَمِلَ عَلَى الْعُبُورِ إِلَى بَلَدِ الْهِنْدِ، وَقَصَدَ لَهَاوُورَ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ خُسْرُوشَاهِ ابْنُ بَهْرَامْ شَاهْ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُ وَالِدِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ خُسْرُوشَاهْ بِذَلِكَ سَارَ فَيَمَنْ مَعَهُ إِلَى مَاءِ السِّنْدِ، فَمَنَعَهُ مِنَ الْعُبُورِ، فَرَجَعَ عَنْهُ وَقَصَدَ خَرْشَابُورَ فَمَلَكَهَا وَمَا يَلِيهَا مِنْ جِبَالِ الْهِنْدِ، وَأَعْمَالِ الْأَبْغَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ مُلْكِ شِهَابِ الدِّينِ لَهَاوُورَ
لَمَّا مَلَكَ شِهَابُ الدِّينِ جِبَالَ الْهِنْدِ قَوِيَ أَمْرُهُ وَجَنَانُهُ، وَعَظُمَتْ هَيْبَتُهُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، وَأَحَبُّوهُ لِحُسْنِ سِيرَتِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ الشِّتَاءُ، وَأَقْبَلَ الرَّبِيعُ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، سَارَ نَحْوَ لَهَاوُورَ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ، وَحَشْدٍ كَثِيرٍ مِنْ خُرَاسَانَ وَالْغُورِ وَغَيْرِهِمَا، فَعَبَرَ إِلَى لَهَاوُورَ وَحَصَرَهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِهَا خُسْرُوشَاهْ وَإِلَى أَهْلِهَا يَتَهَدَّدُهُمْ إِنْ مَنَعُوهُ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَزُولُ حَتَّى يَمْلِكَ الْبَلَدَ، وَبَذَلَ لِخُسْرُوشَاهْ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَمِنَ الْإِقْطَاعِ مَا أَرَادَ، وَأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ بِابْنِ خُسْرُوشَاهْ عَلَى أَنْ يَطَأَ بِسَاطَهُ وَيَخْطُبَ لِأَخِيهِ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، وَأَقَامَ شِهَابُ الدِّينِ مُحَاصِرًا لَهُ، مُضَيِّقًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْبَلَدِ وَالْعَسْكَرُ ذَلِكَ ضَعُفَتْ نِيَّاتُهُمْ فِي نُصْرَةِ صَاحِبِهِمْ، فَخَذَلُوهُ، فَأَرْسَلَ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَاضِيَ الْبَلَدِ وَالْخَطِيبَ يَطْلُبَانِ لَهُ الْأَمَانَ، فَأَجَابَهُ شِهَابُ الدِّينِ إِلَى ذَلِكَ وَحَلَفَ لَهُ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَدَخَلَ الْغُورِيَّةُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ شَهْرَيْنِ مُكَرَّمًا عِنْدَ شِهَابِ الدِّينِ، فَوَرَدَ رَسُولٌ مِنْ غِيَاثِ الدِّينِ إِلَى شِهَابِ الدِّينِ يَأْمُرُهُ بِإِنْفَاذِ خُسْرُوشَاهْ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute