وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ تَسْلِيمِ دِمَشْقَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَصَرَهَا ثَارَ الْأَحْدَاثُ الَّذِينَ رَاسَلَهُمْ، فَسَلَّمُوا إِلَيْهِ الْبَلَدَ مِنَ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ وَمَلَكَهُ، وَحَصَرَ مُجِيرَ الدِّينِ فِي الْقَلْعَةِ، وَرَاسَلَهُ فِي تَسْلِيمِهَا وَبَذَلَ لَهُ إِقْطَاعًا مِنْ جُمْلَتِهِ مَدِينَةُ حِمْصَ، فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ وَسَارَ إِلَى حِمْصَ، ثُمَّ إِنَّهُ رَاسَلَ أَهْلَ دِمَشْقَ لِيُسَلِّمُوا إِلَيْهِ، فَعَلِمَ نُورُ الدِّينِ ذَلِكَ فَخَافَهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ حِمْصَ ; وَأَعْطَاهُ عِوَضًا عَنْهَا بَالَسَ، فَلَمْ يَرْضَهَا، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى الْعِرَاقِ، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ وَابْتَنَى بِهَا دَارًا بِالْقُرْبِ مِنَ النِّظَامِيَّةِ، وَتُوُفِّيَ بِهَا.
ذِكْرُ قَصْدِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ خُرَاسَانَ وَالظَّفَرِ بِهِمْ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ، اجْتَمَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ مِنْ قُهِسْتَانَ، بَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ سَبْعَةَ آلَافِ رَجُلٍ مَا بَيْنَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، وَسَارُوا يُرِيدُونَ خُرَاسَانَ لِاشْتِغَالِ عَسَاكِرِهَا بِالْغُزِّ، وَقَصَدُوا أَعْمَالَ خَوَافَ وَمَا يُجَاوِرُهَا، فَلَقِيَهُمُ الْأَمِيرُ فَرْخَشَاهْ بْنُ مَحْمُودٍ الْكَاسَانِيُّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ حَشَمِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِمْ، فَتَرَكَهُمْ وَسَارَ عَنْهُمْ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ أُنُرَ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أُمَرَاءِ خُرَاسَانَ وَأَشْجَعِهِمْ، يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْمَسِيرَ إِلَيْهِمْ بِعَسْكَرِهِ وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ لِيَجْتَمِعُوا عَلَيْهِمْ وَيُقَاتِلُوهُمْ.
فَسَارَ مُحَمَّدُ بْنُ أُنُرَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَاجْتَمَعُوا هُمْ وَفَرْخَشَاهْ، وَوَاقَعُوا الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ وَقَاتَلُوهُمْ، وَطَالَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ نَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ وَانْهَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَهَلَكَ أَعْيَانُهُمْ وَسَادَاتُهُمْ: بَعْضُهُمْ قُتِلَ، وَبَعْضُهُمْ أُسِرَ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ الشَّرِيدُ، وَخَلَتْ قِلَاعُهُمْ وَحُصُونُهُمْ مِنْ حَامٍ وَمَانِعٍ، فَلَوْلَا اشْتِغَالُ الْعَسَاكِرِ بِالْغُزِّ لَكَانُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute