للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ مُلْكِ نُورِ الدِّينِ حِصْنَ شَيْزَرَ

نَبْتَدِئُ بِذِكْرِ هَذَا الْحِصْنِ، وَلِمَنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي، فَنَقُولُ: هَذَا الْحِصْنُ قَرِيبٌ مِنْ حَمَاةَ، بَيْنَهُمَا نِصْفُ نَهَارٍ، وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ مَنِيعٍ لَا يُسْلَكُ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ. وَكَانَ لِآلِ مُنْقِذٍ الْكِنَانِيِّينَ يَتَوَارَثُونَهُ مِنْ أَيَّامِ صَالِحِ بْنِ مِرْدَاسَ إِلَى أَنِ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى أَبِي الْمُرْهَفِ نَصْرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُقَلَّدِ بَعْدَ أَبِيهِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ، فَبَقِيَ (بِيَدِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ شُجَاعًا كَرِيمًا ; فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ اسْتَخْلَفَ أَخَاهُ أَبَا سَلَامَةَ مُرْشِدَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا وَلِيتُهُ وَلَأَخْرُجَنَّ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا دَخَلْتُهَا.

وَكَانَ عَالِمًا بِالْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ، وَهُوَ وَالِدُ مُؤَيَّدِ الدَّوْلَةِ أُسَامَةَ بْنِ مُنْقِذٍ، فَوَلَّاهَا أَخَاهُ الْأَصْغَرَ سُلْطَانَ بْنَ عَلِيٍّ، وَاصْطَحَبَا أَجْمَلَ صُحْبَةٍ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ، فَأَوْلَدَ مُرْشِدٌ عِدَّةَ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ، وَكَبِرُوا وَسَادُوا، مِنْهُمْ: عِزُّ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ، وَمُؤَيَّدُ الدَّوْلَةِ أُسَامَةُ وَغَيْرُهُمَا، وَلَمْ يُولَدْ لِأَخِيهِ سُلْطَانٍ وَلَدٌ ذَكَرٌ إِلَى أَنْ كَبِرَ فَجَاءَهُ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ، فَحَسَدَ أَخَاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَخَافَ أَوْلَادَ أَخِيهِ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَسَعَى بَيْنَهُمُ الْمُفْسِدُونَ فَغَيَّرُوا كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى أَخِيهِ، فَكَتَبَ سُلْطَانٌ إِلَى أَخِيهِ مُرْشِدٍ أَبْيَاتِ شِعْرٍ يُعَاتِبُهُ عَلَى أَشْيَاءَ بَلَغَتْهُ عَنْهُ، فَأَجَابَهُ بِشِعْرٍ فِي مَعْنَاهُ رَأَيْتُ إِثْبَاتَ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَهِيَ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ:

ظَلُومٌ أَبَتْ فِي الظُّلْمِ إِلَّا تَمَادِيَا ... وَفِي الصَّدِّ وَالْهِجْرَانِ إِلَّا تَنَاهَيَا

شَكَتْ هَجْرَنَا وَالذَّنْبُ فِي ذَاكَ ذَنْبُهَا ... فَيَا عَجَبًا مِنْ ظَالِمٍ جَاءَ شَاكِيًا

وَطَاوَعَتِ الْوَاشِينَ فِيَّ وَطَالَمَا ... عَصَيْتُ عَذُولًا فِي هَوَاهَا وَوَاشِيَا

وَمَالَ بِهَا تِيهُ الْجَمَالِ إِلَى الْقِلَى ... وَهَيْهَاتَ أَنْ أُمْسِيَ لَهَا الدَّهْرَ قَالِيَا

وَلَا نَاسِيًا مَا أَوْدَعَتْ مِنْ عُهُودِهَا ... وَإِنْ هِيَ أَبْدَتْ جَفْوَةً وَتَنَاسِيَا

وَلَمَّا أَتَانِي مِنْ قَرِيضِكَ جَوْهَرٌ ... جَمَعْتَ الْمَعَالِيَ فِيهِ لِي وَالْمُعَانَيَا

وَكُنْتُ هَجَرْتُ الشِّعْرَ حِينًا لِأَنَّهُ ... تَوَلَّى بِرُغْمِي حِينَ وَلَّى شَبَابِيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>