ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ إِنَّهُ خُلِّصَ بَعْدَ مُدَّةٍ وَجُمِعَ إِلَيْهِ أَطْرَافُهُ بِمَرْوَ، وَكَادَ يَعُودُ إِلَيْهِ مُلْكُهُ، فَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ. وَكَانَ مَهِيبًا كَرِيمًا رَفِيقًا بِالرَّعِيَّةِ، وَكَانَتِ الْبِلَادُ فِي زَمَانِهِ آمِنَةً.
وَلَمَّا مَاتَ دُفِنَ فِي قُبَّةٍ بَنَاهَا لِنَفْسِهِ سَمَّاهَا دَارَ الْآخِرَةِ ; وَلَمَّا وَصَلَ خَبَرُ مَوْتِهِ إِلَى بَغْدَادَ قُطِعَتْ خُطْبَتُهُ، وَلَمْ يُجْلَسْ لَهُ فِي الدِّيوَانِ لِلْعَزَاءِ.
وَلَمَّا حَضَرَ السُّلْطَانَ سَنْجَرَ الْمَوْتُ اسْتَخْلَفَ عَلَى خُرَاسَانَ الْمَلِكَ مَحْمُودَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ بَغْرَاخَانَ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، فَأَقَامَ بِهَا خَائِفًا مِنَ الْغُزِّ، فَقَصَدَ جُرْجَانَ يَسْتَظْهِرُ بِهَا، وَعَادَ الْغُزُّ إِلَى مَرْوَ وَخُرَاسَانَ، وَاجْتَمَعَ طَائِفَةٌ مِنْ عَسَاكِرِ خُرَاسَانَ عَلَى أَيْ أَبَهْ الْمُؤَيَّدِ، فَاسْتَوْلَى عَلَى طَرَفٍ مِنْ خُرَاسَانَ، وَبَقِيَتْ خُرَاسَانُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَالِ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] .
وَأَرْسَلَ الْغُزُّ إِلَى الْمَلِكِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُمْ لِيُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَثِقْ بِهِمْ، وَخَافَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ ابْنَهُ إِلَيْهِمْ فَأَطَاعُوهُ مُدَيْدَةً ثُمَّ لَحِقَ بِهِمُ الْمَلِكُ مَحْمُودٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] .
ذِكْرُ مُلْكِ الْمُسْلِمِينَ مَدِينَةَ الْمَرِيَّةِ وَانْقِرَاضِ دَوْلَةِ الْمُلَثَّمِينَ بِالْأَنْدَلُسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ انْقَرَضَتْ دَوْلَةُ الْمُلَثَّمِينَ بِالْأَنْدَلُسِ، وَمَلَكَ أَصْحَابُ عَبْدِ الْمُؤْمِنَ الْمَرِيَّةَ مِنَ الْفِرِنْجِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الْمُؤْمِنِ لَمَّا اسْتَعْمَلَ ابْنَهُ أَبَا سَعِيدٍ عَلَى الْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ وَمَالِقَةَ عَبَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَحْرَ إِلَى مَالِقَةَ، وَاتَّخَذَهَا دَارًا، وَكَاتَبَهُ مَيْمُونُ بْنُ بَدْرٍ اللَّمْتُونِيُّ صَاحِبُ غَرْنَاطَةَ، أَنْ يُوَحِّدَ وَيُسَلِّمَ إِلَيْهِ غَرْنَاطَةَ، فَقَبِلَ أَبُو سَعِيدٍ ذَلِكَ مِنْهُ وَتَسَلَّمَ غَرْنَاطَةَ، فَسَارَ مَيْمُونٌ إِلَى مَالِقَةَ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، فَتَلَقَّاهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَأَكْرَمَهُ، وَوَجَّهَهُ إِلَى مَرَّاكُشَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ وَانْقَرَضَتْ دَوْلَةُ الْمُلَثَّمِينَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِلَّا جَزِيرَةُ مَيُورْقَةَ (مَعَ حَمْوِ بْنِ غَانِيَةَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute