ذِكْرُ وَفَاةِ الْفَائِزِ وَوِلَايَةِ الْعَاضِدِ الْعَلَوِيِّينِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي صَفَرَ، تُوُفِّيَ الْفَائِزُ بِنَصْرِ اللَّهِ أَبُو الْقَاسِمِ عِيسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الظَّافِرُ، صَاحِبُ مِصْرَ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سِتَّ سِنِينَ وَنَحْوَ شَهْرَيْنِ، وَكَانَ لَهُ لَمَّا وَلِيَ خَمْسُ سِنِينَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَمَّا مَاتَ دَخَلَ الصَّالِحُ بْنُ رُزَّيْكَ الْقَصْرَ، وَاسْتَدْعَى خَادِمًا كَبِيرًا، وَقَالَ لَهُ: مَنْ هَا هُنَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ؟ فَقَالَ: هَا هُنَا جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَ أَسْمَاءَهُمْ، وَذَكَرَ لَهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا كَبِيرَ السِّنِّ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ سِرًّا: لَا يَكُونُ عَبَّاسٌ أَحْزَمَ مِنْكَ حَيْثُ اخْتَارَ الصَّغِيرَ وَتَرَكَ الْكِبَارَ وَاسْتَبَدَّ بِالْأَمْرِ، فَأَعَادَ الصَّالِحُ الرَّجُلَ إِلَى مَوْضِعِهِ، وَأَمَرَ حِينَئِذٍ بِإِحْضَارِ الْعَاضِدِ لِدِينِ اللَّهِ أَبِي مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ الْحَافِظِ، وَلَمْ يَكُنْ أَبُوهُ خَلِيفَةً، وَكَانَ الْعَاضِدُ ذَلِكَ الْوَقْتَ مُرَاهِقًا قَارَبَ الْبُلُوغَ، فَبَايَعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ، وَزَوَّجَهُ الصَّالِحُ ابْنَتَهُ، وَنَقَلَ مَعَهَا مِنَ الْجِهَازِ مَا لَا يُسْمَعُ بِمِثْلِهِ، وَعَاشَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْعَاضِدِ وَخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ إِلَى الْأَتْرَاكِ وَتَزَوَّجَتْ.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ وَشَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثَانِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، تُوُفِّيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِعِلَّةِ التَّرَاقِي، وَكَانَ مَوْلِدُهُ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ تُدْعَى يَاعِي، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَوَافَقَ أَبَاهُ الْمُسْتَظْهِرَ بِاللَّهِ فِي عِلَّةِ التَّرَاقِي وَمَاتَا جَمِيعًا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَكَانَ حَلِيمًا كَرِيمًا عَادِلًا حَسَنَ السِّيرَةِ مِنَ الرِّجَالِ ذَوِي الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ الْكَثِيرِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَبَدَّ بِالْعِرَاقِ مُنْفَرِدًا عَنْ سُلْطَانٍ يَكُونُ مَعَهُ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ الدَّيْلَمِ إِلَى الْآنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute