للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَارَ نُورُ الدِّينِ إِلَى طَرَفِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ مِمَّا يَلِي دِمَشْقَ بِعَسَاكِرِهِ لِيَمْنَعَ الْفِرِنْجَ مِنَ التَّعَرُّضِ لِأَسَدِ الدِّينِ وَمَنْ مَعَهُ، فَكَانَ قُصَارَى الْفِرِنْجِ حِفْظُ بِلَادِهِمْ مِنْ نُورِ الدِّينِ، وَوَصَلَ أَسَدُ الدِّينِ وَالْعَسَاكِرُ مَعَهُ إِلَى مَدِينَةِ بِلْبِيسَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ نَاصِرُ الدِّينِ أَخُو ضِرْغَامَ بِعَسْكَرِ الْمِصْرِيِّينَ وَلَقِيَهُمْ، فَانْهَزَمَ وَعَادَ إِلَى الْقَاهِرَةِ مَهْزُومًا.

وَوَصَلَ أَسَدُ الدِّينِ فَنَزَلَ عَلَى الْقَاهِرَةِ أَوَاخِرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَخَرَجَ ضِرْغَامُ مِنَ الْقَاهِرَةِ سَلْخَ الشَّهْرِ، فَقُتِلَ عِنْدَ مَشْهَدِ السَّيِّدَةِ نَفِيسَةَ، وَبَقِيَ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ حُمِلَ وَدُفِنَ فِي الْقَرَافَةِ، وَقُتِلَ أَخُوهُ فَارِسُ الْمُسْلِمِينَ، وَخُلِعَ عَلَى شَاوُرَ مُسْتَهَلَّ رَجَبَ، وَأُعِيدَ إِلَى الْوِزَارَةِ، وَتَمَكَّنَ مِنْهَا، وَأَقَامَ أَسَدُ الدِّينِ بِظَاهِرِ الْقَاهِرَةِ، فَغَدَرَ بِهِ شَاوُرُ، وَعَادَ عَمَّا كَانَ قَرَّرَهُ لِنُورِ الدِّينِ مِنَ الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ، وَلْأَسَدِ الدِّينِ أَيْضًا، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْعَوْدِ إِلَى الشَّامِ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ بِالِامْتِنَاعِ، وَطَلَبَ مَا كَانَ قَدِ اسْتَقَرَّ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُجِبْهُ شَاوُرُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَرْسَلَ نُوَّابَهُ، فَتَسَلَّمُوا مَدِينَةَ بِلْبِيسَ، وَحَكَمَ عَلَى الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ، فَأَرْسَلَ شَاوُرُ إِلَى الْفِرِنْجِ يَسْتَمِدُّهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ مِنْ نُورِ الدِّينِ إِنْ مَلَكَ مِصْرَ.

وَكَانَ الْفِرِنْجُ قَدْ أَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ إِنْ تَمَّ مُلْكُهُ لَهَا، فَلَمَّا أَرْسَلَ شَاوُرُ يَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يُسَاعِدُوهُ عَلَى إِخْرَاجِ أَسَدِ الدِّينِ مِنَ الْبِلَادِ جَاءَهُمْ فَرَجٌ لَمْ يَحْتَسِبُوهُ، وَسَارَعُوا إِلَى تَلْبِيَةِ دَعْوَتِهِ وَنُصْرَتِهِ، وَطَمِعُوا فِي مُلْكِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ بَذَلَ لَهُمْ مَالًا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ، وَتَجَهَّزُوا وَسَارُوا، فَلَمَّا بَلَغَ نُورَ الدِّينِ ذَلِكَ سَارَ بِعَسَاكِرِهِ إِلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِمْ ; لِيَمْتَنِعُوا عَنِ الْمَسِيرِ، فَلَمْ يَمْنَعْهُمْ ; لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الْخَطَرَ فِي مَقَامِهِمْ، إِذَا مَلَكَ أَسَدُ الدِّينِ مِصْرَ، أَشَدُّ، فَتَرَكُوا فِي بِلَادِهِمْ مَنْ يَحْفَظُهَا، وَسَارَ مَلِكُ الْقُدْسِ فِي الْبَاقِينَ إِلَى مِصْرَ.

وَكَانَ قَدْ وَصَلَ إِلَى السَّاحِلِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْفِرِنْجِ فِي الْبَحْرِ ; لِزِيَارَةِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، فَاسْتَعَانَ بِهِمُ الْفِرِنْجُ السَّاحِلِيَّةُ، فَأَعَانُوهُمْ، فَسَارَ بَعْضُهُمْ مَعَهُمْ، وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ فِي الْبِلَادِ لِحِفْظِهَا، فَلَمَّا قَارَبَ الْفِرِنْجُ مِصْرَ فَارَقَهَا أَسَدُ الدِّينِ، وَقَصَدَ مَدِينَةَ بِلْبِيسَ، فَأَقَامَ بِهَا هُوَ وَعَسْكَرُهُ، وَجَعَلَهَا لَهُ ظَهْرًا يَتَحَصَّنُ بِهِ، فَاجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ الْمِصْرِيَّةُ وَالْفِرِنْجُ، وَنَازَلُوا أَسَدَ الدِّينِ شِيرِكُوهْ بِمَدِينَةِ بِلْبِيسَ، وَحَصَرُوهُ بِهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِهَا مَعَ أَنَّ سُورَهَا قَصِيرٌ جِدًّا، وَلَيْسَ لَهَا خَنْدَقٌ، وَلَا فَصِيلٌ يَحْمِيهَا، وَهُوَ يُغَادِيهِمُ الْقِتَالَ وُيُرَوِاحَهُمْ، فَلَمْ يَبْلُغُوا مِنْهُ غَرَضًا، وَلَا نَالُوا مِنْهُ شَيْئًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>