أَدْرِي فَإِنَّهُ لَكَثِيرٌ. فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّمْسِ بِيَدِهِ وَقَالَ: مَا تِلْكَ؟ قَالَ: الشَّمْسُ. قَالَ: مَا أَرَاكَ إِلَّا عَاقِلًا، اذْهَبْ إِلَى قَوْمِي فَأَبْلِغْهُمُ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ لِيُحْسِنُوا إِلَى أَسِيرِهِمْ فَإِنِّي عِنْدَ قَوْمٍ يُحْسِنُونَ إِلَيَّ وَيُكْرِمُونِي، وَقُلْ لَهُمْ فَلْيُعَرُّوا جَمَلِي الْأَحْمَرَ، وَيَرْكَبُوا نَاقَتِي الْعَيْسَاءَ، وَلْيَرْعُوا حَاجَتِي فِي بَنِي مَالِكٍ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْعَوْسَجَ قَدْ أَوْرَقَ، وَأَنَّ النِّسَاءَ قَدِ اشْتَكَتْ، وَلْيَعْصُوا هَمَّامَ بْنَ بَشَامَةَ فَإِنَّهُ مَشْؤُومٌ مَجْدُودٌ، وَلْيُطِيعُوا هُذَيْلَ بْنَ الْأَخْنَسِ، فَإِنَّهُ حَازِمٌ مَيْمُونٌ، وَاسْأَلُوا الْحَارِثَ عَنْ خَبَرِي.
وَسَارَ الرَّسُولُ فَأَتَى قَوْمَهُ فَأَبْلَغَهُمْ، فَلَمْ يُدْرِكُوا مَا أَرَادَ، فَأَحْضَرُوا الْحَارِثَ وَقَصُّوا عَلَيْهِ خَبَرَ الرَّسُولِ. فَقَالَ لِلرَّسُولِ: اقْصُصْ عَلَيَّ أَوَّلَ قِصَّتِكَ. فَقَصَّ عَلَيْهِ أَوَّلَ مَا كَلَّمَهُ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِ. فَقَالَ: أَبْلِغْهُ التَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّا نَسْتَوْصِي بِهِ. فَعَادَ الرَّسُولُ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِي الْعَنْبَرِ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ بَيَّنَ لَكُمْ، وَأَمَّا الرَّمْلُ الَّذِي جَعَلَ فِي كَفِّهِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ قَدْ أَتَاكُمْ عَدَدٌ لَا يُحْصَى، وَأَمَّا الشَّمْسُ الَّتِي أَوْمَأَ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ أَوْضَحُ مِنَ الشَّمْسِ، وَأَمَّا جَمَلُهُ الْأَحْمَرُ فَالصُّمَّانُ فَإِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُعَرُّوهُ، يَعْنِي تَرْحَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا نَاقَتُهُ الْعَيْسَاءُ فَإِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَحْتَرِزُوا فِي الدَّهْنَاءِ، وَأَمَّا بَنُو مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُنْذِرُوهُمْ مَعَكُمْ، وَأَمَّا إِيرَاقُ الْعَوْسَجِ فَإِنَّ الْقَوْمَ قَدْ لَبِسُوا السِّلَاحَ، وَأَمَّا اشْتِكَاءُ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ النِّسَاءَ قَدْ خَرِزْنَ الشُّكَاءَ، وَهِيَ أَسْقِيَةُ الْمَاءِ لِلْغَزْوِ.
فَحَذِرَ بَنُو الْعَنْبَرِ وَرَكِبُوا الدَّهْنَاءَ وَأَنْذَرُوا بَنِي مَالِكٍ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَازِمَ وَعِجْلًا وَعَنَزَةَ أَتَوْا بَنِي حَنْظَلَةَ فَوَجَدُوا عَمْرًا قَدْ أَجْلَتْ، فَأَوْقَعُوا بِبَنِي دَارِمٍ بِالْوَقِيطِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَعَظُمَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، فَأَسَرَتْ رَبِيعَةُ جَمَاعَةً مِنْ رُؤَسَاءِ بَنِي تَمِيمٍ، مِنْهُمْ ضِرَارُ بْنُ الْقَعْقَاعِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ فَجَزُّوا نَاصِيَتَهُ وَأَطْلَقُوهُ، وَأَسَرُوا عَثْجَلَ بْنَ الْمَأْمُونِ بْنِ زُرَارَةَ، وَجُوَيْرَةَ بْنَ بَدْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمٍ، وَلَمْ يَزَلْ فِي الْوَثَاقِ حَتَّى رَآهُمْ يَوْمًا يَشْرَبُونَ فَأَنْشَأَ يَتَغَنَّى يُسْمِعُهُمْ مَا يَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute