للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ وَصُولِ التُّرْكِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَمُلْكِهِمْ طَرَابُلُسَ وَغَيْرَهَا

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ طَائِفَةٌ مِنَ التُّرْكِ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ مَعَ قَرَاقُوشَ مَمْلُوكِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ ابْنِ أَخِي صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ، إِلَى جِبَالِ نَفُوسَةَ، وَاجْتَمَعَ بِهِ مَسْعُودُ بْنُ زِمَامٍ الْمَعْرُوفُ بِمَسْعُودٍ الْبَلَّاطِ، وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ أُمَرَاءِ الْعَرَبِ هُنَاكَ، وَكَانَ خَارِجًا عَنْ طَاعَةِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَأَوْلَادِهِ، فَاتَّفَقَا، وَكَثُرَ جَمْعُهُمَا، وَنَزَلَا عَلَى طَرَابُلُسَ الْغَرْبِ، فَحَاصَرَاهَا، وَضَيَّقَا عَلَى أَهْلِهَا، ثُمَّ فُتِحَتْ، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا قَرَاقُوشُ، وَأَسْكَنَ أَهْلَهُ قَصْرَهَا، وَمَلَكَ كَثِيرًا مِنْ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ مَا خَلَا الْمَهْدِيَّةَ، وَسَفَاقُسَ، وَقَفْصَةَ، وَتُونُسَ وَمَا وَالَاهَا مِنَ الْقُرَى وَالْمَوَاضِعِ.

وَصَارَ مَعَ قَرَاقُوشَ عَسْكَرٌ كَثِيرٌ، فَحَكَمَ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ بِمُسَاعَدَةِ الْعَرَبِ بِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنَ التَّخْرِيبِ وَالنَّهْبِ، وَالْإِفْسَادِ بِقَطْعِ الْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَجَمَعَ بِهَا أَمْوَالًا عَظِيمَةً، وَجَعَلَهَا بِمَدِينَةِ قَابِسَ، وَقَوِيَتْ نَفْسُهُ، وَحَدَّثَتْهُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى جَمِيعِ إِفْرِيقِيَّةَ ; لِبُعْدِ أَبِي يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ صَاحِبِهَا عَنْهَا، وَكَانَ مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ذِكْرُ غَزْوِ ابْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْفِرِنْجَ بِالْأَنْدَلُسِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ جَمَعَ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَسَاكِرَهُ، وَسَارَ مِنْ إِشْبِيلِيَّةَ إِلَى الْغَزْوِ، فَقَصَدَ بِلَادَ الْفِرِنْجِ، وَنَزَلَ عَلَى مَدِينَةِ وَبْذَةَ، وَهِيَ بِالْقُرْبِ مِنْ طُلَيْطِلَةَ شَرْقًا مِنْهَا، وَحَصَرَهَا، وَاجْتَمَعَتِ الْفِرِنْجُ عَلَى ابْنِ الْأَذْفُونْشِ مَلِكِ طُلَيْطِلَةَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَلَمْ يُقْدِمُوا عَلَى لِقَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

فَاتَّفَقَ أَنَّ الْغَلَاءَ اشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَعُدِمَتِ الْأَقْوَاتُ عِنْدَهُمْ، وَهُمْ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَاضْطَرُّوا إِلَى مُفَارَقَةِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ، فَعَادُوا إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>