للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا رَحِيلُ الْفِرِنْجِ، وَكَانَ مَنْ لُطْفِ اللَّهِ بِالْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمِصْرِيِّينَ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ فِي هَذَا الْأَمِيرَ زَيْنَ الدِّينِ عَلِيَّ بْنَ نَجَا الْوَاعِظَ، الْمَعْرُوفَ بِابْنِ نُجَيَّةَ، وَرَتَّبُوا الْخَلِيفَةَ وَالْوَزِيرَ وَالْحَاجِبَ وَالدَّاعِيَ وَالْقَاضِيَ، إِلَّا أَنَّ بَنِي رُزَّيْكٍ قَالُوا: يَكُونُ الْوَزِيرُ مِنَّا، وَبَنِي شَاوِرٍ قَالُوا: يَكُونُ الْوَزِيرُ مِنَّا، فَلَمَّا عَلِمَ ابْنُ نَجَا الْحَالَ حَضَرَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ، وَأَعْلَمَهُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ، فَأَمَرَ بِمُلَازَمَتِهِمْ، وَمُخَالَطَتِهِمْ، وَمُوَاطَأَتِهِمْ عَلَى مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلُوهُ، وَتَعْرِيفِهِ مَا يَتَجَدَّدُ أَوَّلًا بِأَوَّلٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَصَارَ يُطَالِعُهُ بِكُلِّ مَا عَزَمُوا عَلَيْهِ.

ثُمَّ وَصَلَ رَسُولٌ مِنْ مَلِكِ الْفِرِنْجِ بِالسَّاحِلِ الشَّامِيِّ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ بِهَدِيَّةٍ وَرِسَالَةٍ، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ إِلَيْهِ، وَالْبَاطِنِ إِلَى أُولَئِكَ الْجَمَاعَةِ، وَكَانَ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ بَعْضَ النَّصَارَى وَتَأْتِيهِ رُسُلُهُمْ، فَأَتَى الْخَبَرُ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ مِنْ بِلَادِ الْفِرِنْجِ بِجَلِيَّةِ الْحَالِ، فَوَضَعَ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى الرَّسُولِ بَعْضَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنَ النَّصَارَى، وَدَاخَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ الرَّسُولُ بِالْخَبَرِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَقَبَضَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُقَدَّمِينَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ مِنْهُمْ: عُمَارَةُ وَعَبْدُ الصَّمَدِ وَالْعُوَيْرِسُ وَغَيْرُهُمْ وَصَلَبَهُمْ.

وَقِيلَ فِي كَشْفِ أَمْرِهِمْ إِنَّ عَبْدَ الصَّمَدِ الْمَذْكُورَ كَانَ إِذَا لَقِيَ الْقَاضِيَ الْفَاضِلَ الْكَاتِبَ الصَّلَاحِيَّ يَخْدِمُهُ وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِجَهْدِهِ وَطَاقَتِهِ، فَلَقِيَهُ يَوْمًا، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَقَالَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ: مَا هَذَا إِلَّا لِسَبَبٍ. وَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَارَ لَهُ بَاطِنٌ مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ، فَأَحْضَرَ عَلِيَّ بْنَ نَجَا الْوَاعِظَ وَأَخْبَرَهُ الْحَالَ، وَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَكْشِفَ لِي الْأَمْرَ، فَسَعَى فِي كَشْفِهِ فَلَمْ يَرَ لَهُ مِنْ جَانِبِ صَلَاحِ الدِّينِ شَيْئًا، فَعَدَلَ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَكَشَفَ الْحَالَ، وَحَضَرَ عِنْدَ الْقَاضِي الْفَاضِلِ وَأَعْلَمَهُ، فَقَالَ: تَحْضُرُ السَّاعَةَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ وَتُنْهِي الْحَالَ إِلَيْهِ، فَحَضَرَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ وَهُوَ فِي الْجَامِعِ، فَذَكَرَ لَهُ الْحَالَ، فَقَامَ وَأَخَذَ الْجَمَاعَةَ وَقَرَّرَهُمْ، فَأَقَرُّوا، فَأَمَرَ بِصَلْبِهِمْ.

وَكَانَ عُمَارَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاضِلِ عَدَاوَةٌ مِنْ أَيَّامِ الْعَاضِدِ وَقَبْلَهَا، فَلَمَّا أَرَادَ صَلْبَهُ قَامَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ وَخَاطَبَ صَلَاحَ الدِّينِ فِي إِطْلَاقِهِ، وَظَنَّ عُمَارَةُ أَنَّهُ يُحَرِّضُ عَلَى هَلَاكِهِ، فَقَالَ لِصَلَاحِ الدِّينِ: يَا مَوْلَانَا لَا تَسْمَعُ مِنْهُ فِي حَقِّي، فَغَضِبَ الْفَاضِلُ وَخَرَجَ، وَقَالَ صَلَاحُ الدِّينِ لِعُمَارَةَ: إِنَّهُ كَانَ يَشْفَعُ فِيكَ، فَنَدِمَ، ثُمَّ أُخْرِجَ عُمَارَةُ لِيُصْلَبَ، فَطَلَبَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>