بِالشَّامِ وَصَلَاحُ الدِّينِ بِمِصْرَ، وَخَطَبَ لَهُ بِهَا، وَضَرَبَ السَّكَّةَ بِاسْمِهِ، وَتَوَلَّى تَرْبِيَتَهُ الْأَمِيرُ شَمْسُ [الدِّينِ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمُقَدِّمِ، وَصَارَ مُدَبِّرَ دَوْلَتِهِ. فَقَالَ لَهُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الشَّهْرَزُورِيِّ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ صَاحِبَ مِصْرَ هُوَ مِنْ مَمَالِيكِ نُورِ الدِّينِ وَنُوَّابِهِ أَصْحَابِ نُورِ الدِّينِ، وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ نُشَاوِرَهُ فِي الَّذِي نَفْعَلُهُ، وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِنَا فَيَخْرُجُ عَنْ طَاعَتِنَا، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْنَا، وَهُوَ أَقْوَى مِنَّا، لِأَنَّهُ قَدِ انْفَرَدَ الْيَوْمَ بِمُلْكِ مِصْرَ، فَلَمْ يُوَافِقْ هَذَا الْقَوْلُ أَغْرَاضَهُمْ، وَخَافُوا أَنْ يَدْخُلَ صَلَاحُ الدِّينِ وَيُخْرِجَهُمْ، فَلَمْ يَمْضِ غَيْرُ قَلِيلٍ حَتَّى وَرَدَتْ كُتُبُ صَلَاحِ الدِّينِ إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ يُعَزِّيهِ وَيُهَنِّئُهُ بِالْمُلْكِ، وَأَرْسَلَ دَنَانِيرَ مِصْرِيَّةً عَلَيْهَا اسْمُهُ وَيُعَرِّفُهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ وَالطَّاعَةَ لَهُ كَمَا كَانَتْ لِأَبِيهِ.
فَلَمَّا سَارَ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، وَمَلَكَ الْبِلَادَ الْجَزَرِيَّةَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، أَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ أَيْضًا إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ يَعْتِبُهُ حَيْثُ لَمْ يُعْلِمْهُ قَصْدَ سَيْفِ الدِّينِ بِلَادَهُ وَأَخْذَهَا، لِيَحْضُرَ فِي خِدْمَتِهِ وَيَكُفَّ سَيْفَ الدِّينِ، وَكَتَبَ إِلَى كَمَالِ الدِّينِ وَالْأُمَرَاءِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ نُورَ الدِّينِ يَعْلَمُ أَنَّ فِيكُمْ مَنْ يَقُومُ مَقَامِي، أَوْ يَثِقُ بِهِ مِثْلَ ثِقَتِهِ بِي لَسَلَّمَ إِلَيْهِ مِصْرَ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مَمَالِكِهِ وَوِلَايَاتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْجَلْ عَلَيْهِ الْمَوْتُ لَمْ يَعْهَدْ إِلَى أَحَدٍ بِتَرْبِيَةِ وَلَدِهِ وَالْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ غَيْرِي، وَأَرَاكُمْ قَدْ تَفَرَّدْتُّمْ بِمَوْلَايَ وَابْنِ مَوْلَايَ دُونِي، وَسَوْفَ أَصِلُ إِلَى خِدْمَتِهِ، وَأُجَازِي إِنْعَامَ وَالِدِهِ بِخِدْمَةٍ يَظْهَرُ أَثَرُهَا، وَأُجَازِي كُلًّا مِنْكُمْ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِ فِي تَرْكِ الذَّبِّ عَنْ بِلَادِهِ.
وَتَمَسَّكَ ابْنُ الْمُقَدَّمِ وَجَمَاعَةُ الْأُمَرَاءِ بِالْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَلَمْ يُرْسِلُوهُ إِلَى حَلَبَ، خَوْفًا أَنْ يَغْلِبَهُمْ عَلَيْهِ شَمْسُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ الدَّايَةِ، فَإِنَّهُ أَكْبَرُ الْأُمَرَاءِ النُّورِيَّةِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنَ الْاتِّصَالِ بِهِ وَالْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ مَرَضٌ لَحِقَهُ، وَكَانَ هُوَ وَإِخْوَتُهُ بِحَلَبَ، وَأَمْرُهَا إِلَيْهِمْ، وَعَسَاكِرُهَا مَعَهُمْ فِي حَيَاةِ نُورِ الدِّينِ وَبَعْدَهُ، وَلَمَّا عَجَزَ عَنِ الْحَرَكَةِ أَرْسَلَ إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ يَدْعُوهُ إِلَى حَلَبَ لِيَمْنَعَ بِهِ الْبِلَادَ الْجَزَرِيَّةَ مِنْ سَيْفِ الدِّينِ ابْنِ عَمِّهِ قُطْبِ الدِّينِ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الِانْتِقَالِ إِلَى حَلَبَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ سَيْفِ الدِّينِ الْبِلَادَ الْجَزَرِيَّةَ
كَانَ نُورُ الدِّينِ قَبْلَ أَنْ يَمْرَضَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ، الْمَوْصِلِ وَدِيَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute