بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَاهِكِي لِيَتَقَوَّى بِهَا عَلَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ الْعَسَاكِرَ مِنْ بَغْدَادَ لِمَنْعِهِ، فَالْتَقَوْا وَحَمَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَيْمَنَةِ فَهَزَمَهَا، وَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا عَظِيمًا، وَأُسِرَ ابْنُ أَخِي شُمْلَةَ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى بَغْدَادَ، فَعُلِّقَ بِبَابِ النُّوبِيِّ، وَهُدَمَتِ الْقَلْعَةُ.
وَفِيهَا، فِي رَمَضَانَ، تَوَالَتِ الْأَمْطَارُ فِي دِيَارِ بَكْرٍ وَالْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ، فَدَامَتْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ فِيهَا غَيْرَ مَرَّتَيْنِ، كُلُّ مَرَّةٍ مِقْدَارُ لَحْظَةٍ، وَخُرِّبَتِ الْمَسَاكِنُ وَغَيْرُهَا، وَكَثُرَ الْهَدْمُ، وَمَاتَ تَحْتَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَزَادَتْ دِجْلَةُ زِيَادَةً عَظِيمَةً، وَكَانَ أَكْثَرُهَا بِبَغْدَادَ، فَإِنَّهَا زَادَتْ عَلَى كُلِّ زِيَادَةٍ تَقَدَّمَتْ مُنْذُ بُنِيَتْ بَغْدَادُ بِذِرَاعٍ وَكَسْرٍ، وَخَافَ النَّاسُ الْغَرَقَ، وَفَارَقُوا الْبَلَدَ، وَأَقَامُوا عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ خَوْفًا مِنَ انْفِتَاحِ الْقَوْرَجِ وَغَيْرِهِ، وَكَانُوا كُلَّمَا انْفَتَحَ مَوْضِعٌ بَادَرُوا بِسَدِّهِ، وَنَبَعَ الْمَاءُ فِي الْبَلَالِيعِ، وَخَرَّبَ كَثِيرًا مِنَ الدُّورِ، وَدَخَلَ الْمَاءُ إِلَى الْبِيمَارِسْتَانَ الْعَضُدِيِّ، وَدَخَلَتِ السُّفُنُ مِنَ الشَّبَابِيكِ الَّتِي لَهُ، فَإِنَّهَا كَانَتْ قَدْ تَعَلَّقَتْ، فَمَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ بِنَقْصِ الْمَاءِ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفُوا عَلَى الْغَرَقِ.
وَفِيهَا، فِي جُمَادَى الْأُولَى، كَانَتِ الْفِتْنَةُ بِبَغْدَادَ بَيْنَ قُطْبِ الدِّينِ قَايْمَازَ وَالْخَلِيفَةِ، وَسَبَبُهَا أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَمَرَ بِإِعَادَةِ عَضُدِ الدِّينِ ابْنِ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ إِلَى الْوِزَارَةِ، فَمَنَعَ مِنْهُ قُطْبُ الدِّينِ، وَأَغْلَقَ بَابَ النُّوبِيِّ وَبَابَ الْعَامَّةِ، وَبَقِيَتْ دَارُ الْخَلِيفَةِ كَالْمُحَاصَرَةِ، فَأَجَابَ الْخَلِيفَةُ إِلَى تَرْكِ وَزَارَتِهِ، فَقَالَ قُطْبُ الدِّينِ: لَا أَقْنَعُ إِلَّا بِإِخْرَاجِ عَضُدِ الدِّينِ مِنْ بَغْدَادَ، فَأُمِرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا، فَالْتَجَأَ إِلَى صَدْرِ الدِّينِ شَيْخِ الشُّيُوخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَأَخَذَهُ إِلَى رِبَاطَهِ وَأَجَارَهُ، وَنَقَلَهُ إِلَى دَارِ الْوَزِيرِ بِقَطُفْتَا، فَأَقَامَ بِهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَيْتِهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ.
وَفِيهَا سَقَطَ الْأَمِيرُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ الْخَلِيفَةِ - وَهُوَ الَّذِي صَارَ خَلِيفَةً - مِنْ قُبَّةٍ عَالِيَةٍ إِلَى أَرْضِ التَّاجِ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ اسْمُهُ نَجَاحٌ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ بَعْدَهُ، وَسَلِمَ ابْنُ الْخَلِيفَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute