للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَالِفَ الْأُمَرَاءَ عَلَى الْمُسَاعَدَةِ وَالْمُظَاهَرَةِ لَهُ، وَجَمَعَهُمْ، وَقَصَدَ دَارَ الْخَلِيفَةِ لِعِلْمِهِ أَنَّ ابْنَ الْعَطَّارِ فِيهَا، فَلَمَّا عَلِمَ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ وَرَأَى الْغَلَبَةَ صَعِدَ إِلَى سَطْحِ دَارِهِ وَظَهَرَ لِلْعَامَّةِ وَأَمَرَ خَادِمًا فَصَاحَ وَاسْتَغَاثَ، وَقَالَ لِلْعَامَّةِ: مَالُ قُطْبِ الدِّينِ لَكُمْ وَدَمُهُ لِي، فَقَصَدَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ دَارَ قُطْبِ الدِّينِ لِلنَّهْبِ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمَقَامُ لِضِيقِ الشَّوَارِعِ وَغَلَبَةِ الْعَامَّةِ، فَهَرَبَ مِنْ دَارِهِ مِنْ بَابِ فَتْحِةٍ فِي ظَهْرِهَا لِكَثْرَةِ الْخَلْقِ عَلَى بَابِهَا، وَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ وَنُهِبَتْ دَارُهُ، وَأُخِذَ مِنْهَا مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُحْصَى، فَرُئِيَ فِيهَا مِنَ التَّنَعُّمِ مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِثْلُهُ، فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّ بَيْتَ الطَّهَارَةِ الَّذِي كَانَ لَهُ فِيهِ سِلْسِلَةُ ذَهَبٍ مِنَ السَّقْفِ إِلَى مُحَاذِي وَجْهِ الْقَاعِدِ عَلَى الْخَلَا، وَفِي أَسْفَلِهَا كُرَةٌ كَبِيرَةٌ ذَهَبٌ، مُخْرَّمَةٌ، مَحْشُوَّةٌ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ لِيَشُمَّهَا إِذَا قَعَدَ، فَتَشَبَّثَ بِهَا إِنْسَانٌ وَقَطَعَهَا وَأَخَذَهَا، وَدَخَلَ بَعْضُ الصَّعَالِيكِ فَأَخَذَ عِدَّةَ أَكْيَاسٍ مَمْلُوءَةٍ دَنَانِيرُ.

وَكَانَ الْأَقْوِيَاءُ قَدْ وَقَفُوا عَلَى الْبَابِ يَأْخُذُونَ مَا يَخْرُجُ بِهِ النَّاسُ، فَلَمَّا أَخَذَ ذَلِكَ الصُّعْلُوكُ الْأَكْيَاسَ قَصَدَ الْمَطْبَخَ فَأَخَذَ مِنْهُ قِدْرًا مَمْلُوءَةً طَبِيخًا، وَأَلْقَى الْأَكْيَاسَ فِيهَا وَحَمَلَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَخَرَجَ بِهَا، وَالنَّاسُ يَضْحَكُونَ مِنْهُ، فَيَقُولُ: أَنَا أُرِيدُ شَيْئًا أُطَعِمُهُ عِيَالِي الْيَوْمَ، فَنَجَا بِمَا مَعَهُ، فَاسْتَغْنَى بَعْدَ ذَلِكَ، فَظَهَرَ الْمَالُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نِعْمَةِ قُطْبِ الدِّينِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ.

وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَلَدِ تَبِعَهُ تُنَامُشُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَنُهِبَتْ دُورُهُمْ أَيْضًا، وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأُحْرِقَ أَكْثَرُهَا، وَسَارَ قُطْبُ الدِّينِ إِلَى الْحِلَّةِ وَمَعَهُ الْأُمَرَاءُ، فَسَيَّرَ الْخَلِيفَةُ إِلَيْهِ صَدْرَ الدِّينِ شَيْخَ الشُّيُوخِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ يَخْدَعُهُ حَتَّى سَارَ عَنِ الْحِلَّةِ إِلَى الْمَوْصِلِ عَلَى الْبَرِّ، فَلَحِقَهُ وَمَنْ مَعَهُ عَطَشٌ عَظِيمٌ فَهَلَكَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْعَطَشِ. وَمَاتَ قُطْبُ الدِّينِ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الْمَوْصِلِ فَحُمِلَ وَدُفِنَ بِظَاهِرِ بَابِ الْعِمَادِيِّ وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ هُنَاكَ.

وَهَذَا عَاقِبَةُ عِصْيَانِ الْخَلِيفَةِ، وَكُفْرَانِ الْإِحْسَانِ، وَالظُّلْمِ، وَسُوءِ التَّدْبِيرِ، فَإِنَّهُ ظَلَمَ أَهْلَ الْعِرَاقِ، وَكَفْرَ إِحْسَانَ الْخَلِيفَةِ الَّذِي كَانَ قَدْ غَمَرَهُ، وَلَوْ أَقَامَ بِالْحِلَّةِ وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَعَاوَدَ بَغْدَادَ لَاسْتَوْلَى عَلَى الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا كَانَ، فَإِنَّ عَامَّةَ بَغْدَادَ كَانُوا يُرِيدُونَهُ، وَكَانَ قَوِيَ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْبِلَادِ فَأَطَاعُوهُ.

وَلَمَّا مَاتَ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَصَلَ عَلَاءُ الدِّينِ تُنَامُشُ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَأَقَامَ مُدِيدَةً، ثُمَّ أَمَرَهُ الْخَلِيفَةُ بِالْقُدُومِ إِلَى بَغْدَادَ، فَعَادَ إِلَيْهَا وَبَقِيَ بِهَا إِلَى أَنَّ مَاتَ بِغَيْرِ إِقْطَاعٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>