للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وَخَمْسِمِائَةٍ] ، وَالنَّاسُ فِي أَشَدِّ مَا كَانُوا غَلَاءً وَقُنُوطًا مِنَ الْأَمْطَارِ، وَقَدْ تَوَسَّطَ الرَّبِيعُ وَلَمْ تَجِئْ قَطْرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْمَطَرِ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ وَمَعِيَ جَمَاعَةٌ نَنْتَظِرُ الشَّيْخَ، إِذْ أَقْبَلَ إِنْسَانٌ تُرْكُمَانِيٌّ قَدْ أَثَّرَ عَلَيْهِ الْجُوعُ، وَكَأَنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ مَنْ قَبْرٍ، فَبَكَى وَشَكَا الْجُوعَ، فَأَرْسَلَتُ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ خُبْزًا، فَتَأَخَّرَ إِحْضَارُهُ لِعَدَمِهِ، وَهُوَ يَبْكِي وَيَتَمَرَّغُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَشْكُو الْجُوعَ، فَلَمْ يَبْقَ فِينَا إِلَّا مَنْ بَكَى رَحْمَةً لَهُ وَلِلنَّاسِ، فَفِي الْحَالِ تَغَيَّمَتِ السَّمَاءُ وَجَاءَتْ نُقَطٌ مِنَ الْمَطَرِ مُتَفَرِّقَةً، فَضَجَّ النَّاسُ وَاسْتَغَاثُوا، ثُمَّ جَاءَ الْخُبْزُ، فَأَكَلَ التُّرْكُمَانِيُّ بَعْضَهُ، وَأَخَذَ الْبَاقِي وَمَشَى وَاشْتَدَّ الْمَطَرُ وَدَامَ الْمَطَرُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.

ذِكْرُ غَارَاتِ الْفِرِنْجِ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْقِعْدَةِ، اجْتَمَعَ الْفِرِنْجُ وَسَارُوا إِلَى بَلَدِ دِمَشْقَ مَعَ مَلِكِهِمْ، فَأَغَارُوا عَلَى أَعْمَالِهَا فَنَهَبُوهَا وَأَسَرُوا وَقَتَلُوا وَسَبَوْا، فَأَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ فَرْخَشَاهْ، وَلَدَ أَخِيهِ، فِي جَمْعٍ مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُ أَنَّهُ إِذَا قَارَبَهُمْ يُرْسِلُ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ عَلَى جَنَاحِ طَائِرٍ لِيَسِيرَ إِلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ أَهْلَ الْبَلَدِ بِالِانْتِزَاحِ مِنْ بَيْنِ يَدِيِ الْفِرِنْجِ، فَسَارَ فَرْخَشَاهْ فِي عَسْكَرِهِ يَطْلُبُهُمْ، فَلَمْ يَشْعُرْ إِلَّا وَالْفِرِنْجُ قَدْ خَالَطُوهُ، فَاضْطَرَّ إِلَى الْقِتَالِ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ رَآهُ النَّاسُ، وَأَلْقَى فَرْخَشَاهْ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ، وَغَشِيَ الْحَرْبَ وَلَمْ يَكِلْهَا إِلَى سِوَاهُ، فَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ وَنُصِرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، وَقُتِلَ مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ جَمَاعَةٌ وَمِنْهُمْ هَنْفَرِي، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هَنْفَرِي؟ بِهِ كَانَ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالرَّأْيِ فِي الْحَرْبِ، وَكَانَ بَلَاءًا صَبَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَرَاحَ اللَّهُ مِنْ شَرِّهِ. وَقُتِلَ غَيْرُهُ مِنْ أَضِرَابِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْ عَسْكَرُ فَرْخَشَاهْ أَلْفَ فَارِسٍ.

وَفِيهَا أَيْضًا أَغَارَ الْبُرْنُسُ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ وَلَاذِقِيَّةَ عَلَى جِشِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِشَيْزَرَ وَأَخَذَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>