أَكْثَرَ الْبِلَادِ مِنَ الظُّهْرِ إِلَى أَنْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ رُبْعُهُ، وَبَقِيَتِ الدُّنْيَا مُظْلِمَةً يَكَادُ الْإِنْسَانُ لَا يُبْصِرُ صَاحِبَهُ، وَكُنْتُ حِينَئِذٍ بِالْمَوْصِلِ، فَصَلَّيْنَا الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ عَلَى الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى التَّضَرُّعِ وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَظَنُّوا أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، فَلَمَّا مَضَى مِقْدَارُ رُبْعِ اللَّيْلِ زَالَ ذَلِكَ الظَّلَامُ وَالْعَتْمَةُ الَّتِي غَطَّتِ السَّمَاءَ، فَنَظَرْنَا فَرَأَيْنَا النُّجُومَ، فَعَلِمْنَا مِقْدَارَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ، لِأَنَّ الظَّلَامَ لَمْ يَزْدَدْ بِدُخُولِ اللَّيْلِ، وَكَانَ كُلُّ مَنْ يَصِلُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ يُخْبِرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
وَفِيهَا، فِي ذِي الْقِعْدَةِ، نَزَلَ شَمْسُ الدَّوْلَةِ أَخُو صَلَاحِ الدِّينِ عَنْ بَعْلَبَكَّ، وَطَلَبَ عِوَضًا عَنْهَا الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَأَجَابَهُ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى ذَلِكَ وَأَقْطَعَ بَعْلَبَكَّ لِعِزِّ الدِّينِ فَرْخْشَاهَ ابْنِ أَخِيهِ، فَسَارَ إِلَيْهَا، وَجَمَعَ أَصْحَابَهُ، وَأَغَارَ عَلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى قَلْعَةِ صَفَدَ، وَهِيَ مُطِلَّةٌ عَلَى طَبَرِيَّةَ، فَسَبَى وَأَسَرَ وَغَنِمَ وَخَرَّبَ وَفَعَلَ فِي الْفِرِنْجِ أَفَاعِيلَ عَظِيمَةً.
وَأَمَّا شَمْسُ الدَّوْلَةِ فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى مِصْرَ وَأَقَامَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْبِضَ رَجُلًا بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً، فَإِنَّهُ أَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا.
وَفِيهَا قَارَبَ الْجَامِعُ الَّذِي بَنَاهُ مُجَاهِدُ الدِّينِ قَايْمَازُ بِظَاهِرِ الْمَوْصِلِ مِنْ جِهَةِ بَابِ الْجِسْرِ الْفَرَاغَ، وَأُقِيمَتْ فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْجَوَامِعِ.
[الْوَفَيَاتُ] وَفِيهَا تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوفِيُّ شَيْخُ رِبَاطِ الزَّوْزَنِيِّ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَكَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ.
وَعَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ يُوسُفَ، سَمِعَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ الْحَدِيثِ.
وَالْقَاضِي عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْخَضِرِ أَبُو الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ، سَمِعَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ، وَوَلِيَ قَضَاءَ الْحَرِيمِ.
وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الزَّيْدِيُّ، سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَلَهُ وَقْفُ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ بِبَغْدَادَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute