ذِكْرُ مُلْكِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ مَدِينَةَ قَفْصَةَ بَعْدَ خِلَافِ صَاحِبِهَا عَلَيْهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَمَلَكَ قَفْصَةَ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَهَا عَلِيَّ بْنَ الْمُعِزِّ بْنِ الْمُعْتَزِّ لَمَّا رَأَى دُخُولَ التُّرْكِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَاسْتِيلَاءَهُمْ عَلَى بَعْضِهَا، وَانْقِيَادَ الْعَرَبِ إِلَيْهِمْ، طَمِعَ أَيْضًا فِي الِاسْتِبْدَادِ وَالِانْفِرَادِ عَنْ يُوسُفَ وَكَانَ فِي طَاعَتِهِ، فَأَظْهَرَ مَا فِي نَفْسِهِ وَخَالَفَهُ وَأَظْهَرَ الْعِصْيَانَ، وَوَافَقَهُ أَهْلُ قَفْصَةَ، فَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ أَصْحَابِ أَبِي يَعْقُوبَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَأَرْسَلَ وَالِي بِجَايَةَ إِلَى يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ يُخْبِرُهُ بِاضْطِرَابِ أُمُورِ الْبِلَادِ، وَاجْتِمَاعِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى قَرَاقُوشَ التُّرْكِيِّ الَّذِي دَخَلَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَمَا جَرَى فِي قَفْصَةَ مِنْ قَتْلِ الْمُوَحِّدِينَ وَمُسَاعَدَةِ أَهْلِ قَفْصَةَ صَاحِبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَشَرَعَ فِي سَدِّ الثُّغُورِ الَّتِي يَخَافُهَا بَعْدَ مَسِيرِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ تَجَهَّزَ الْعَسْكَرُ وَسَارَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، وَنَزَلَ عَلَى مَدِينَةِ قَفْصَةَ وَحَصَرَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَهِيَ بَلْدَةٌ حَصِينَةٌ، وَأَهْلُهَا أَنْجَادٌ، وَقَطَعَ شَجَرَهَا.
فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَى صَاحِبِهَا وَأَهْلِهَا، خَرَجَ مِنْهَا مُسْتَخْفِيًا لَمْ يَعْرِفْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ قَفْصَةَ وَلَا مِنْ عَسْكَرِهِ، وَسَارَ إِلَى خَيْمَةِ يُوسُفَ، وَعَرَّفَ حَاجِبَهُ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يُوسُفَ، فَدَخَلَ الْحَاجِبُ وَأَعْلَمَ يُوسُفَ بِوُصُولِ صَاحِبِ قَفْصَةَ إِلَى بَابِ خَيْمَتِهِ، فَعَجِبَ مِنْهُ كَيْفَ أَقْدَمَ عَلَى الْحُضُورِ عِنْدَهُ بِغَيْرِ عَهْدٍ، وَأَمَرَ بِإِدْخَالِهِ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ وَقَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: قَدْ حَضَرَتُ أَطْلُبُ عَفْوَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَلَدِي، وَأَنْ يَفْعَلَ مَا هُوَ أَهْلُهُ، وَاعْتَذَرَ، فَرَقَّ لَهُ يُوسُفُ فَعَفَا عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَتَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَوَّلَ سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسَيَّرَ عَلِيَّ بْنَ الْمُعِزِّ صَاحِبَهَا إِلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ، فَكَانَ فِيهَا مُكَرَّمًا عَزِيزًا، وَأَقْطَعَهُ وِلَايَةً كَبِيرَةً، وَرَتَّبَ يُوسُفُ لِقَفْصَةَ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُوَحِّدِينَ، وَحَضَرَ مَسْعُودُ بْنُ زِمَامٍ أَمِيرُ الْعَرَبِ عِنْدَ يُوسُفَ أَيْضًا، فَعَفَا عَنْهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى مَرَّاكُشَ، وَسَارَ يُوسُفُ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ، فَأَتَاهُ بِهَا رَسُولُ مَلِكِ الْفِرِنْجِ، صَاحِبِ صِقِلِّيَّةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute