صَلَاحِ الدِّينِ فَقِيلَ عَنْهُ: إِنَّهُ أَخَذَ أَمْوَالَ الْيَمَنِ وَادَّخَرَهَا، وَسَعَى بِهِ أَعْدَاؤُهُ، فَلَمْ يُعَارِضْهُ صَلَاحُ الدِّينِ.
فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةُ وَصَلَاحُ الدِّينِ بِمِصْرَ اصْطَنَعَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ طَعَامًا وَعَمِلَ دَعْوَةً كَبِيرَةً. وَدَعَا إِلَيْهَا أَعْيَانَ الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ بِقَرْيَةٍ تُسَمَّى الْعَدَوِيَّةَ، وَأَرْسَلَ أَصْحَابَهُ يَتَجَهَّزُونَ مِنَ الْبَلَدِ، وَيَشْتَرُونَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا، فَقِيلَ لِصَلَاحِ الدِّينِ إِنَّ ابْنَ مُنْقِذَ يُرِيدُ الْهَرَبَ، وَأَصْحَابَهُ يَتَزَوَّدُونَ لَهُ، وَمَتَى دَخَلَ الْيَمَنَ أَخْرَجَهُ عَنْ طَاعَتِكَ، فَأَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ فَأَخْذَهُ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ وَحَبَسَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ صَلَاحُ الدِّينِ جَلِيَّةَ الْحَالِ عَلِمَ أَنَّ الْحِيلَةَ تَمَّتْ لِأَعْدَائِهِ فِي قَبْضِهِ، فَخَفَّفَ مَا كَانَ عِنْدَهُ عَلَيْهِ، وَسَهَّلَ أَمْرَهُ وَصَانَعَهُ عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ مِصْرِيَّةٍ، سِوَى مَا لَحِقَهَا مِنَ الْحَمْلِ لِإِخْوَةِ صَلَاحِ الدِّينِ وَأَصْحَابِهِ وَأَطْلَقَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى مَنْزِلَتِهِ، وَكَانَ أَدِيبًا شَاعِرًا.
ذِكْرُ إِرْسَالِ صَلَاحِ الدِّينِ الْعَسَاكِرَ إِلَى الْيَمَنِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ صَلَاحُ الدِّينِ جَمَاعَةً مِنْ أُمَرَائِهِ مِنْهُمْ صَارِمُ الدِّينِ قُتْلُغُ أَبَهَ، وَالِي مِصْرَ، إِلَى الْيَمَنِ لِلِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بِهَا بَيْنَ نُوَّابِ أَخِيهِ شَمْسِ الدَّوْلَةِ، وَهُمْ عِزُّ الدِّينِ عُثْمَانُ بْنُ الزَّنْجِيلِيِّ، وَالِي عَدَنَ، وَحِطَّانُ بْنُ مُنْقِذَ [وَالِي] زَبِيدَ وَغَيْرُهُمَا، فَإِنَّهُمْ لَمَّا بَلَغَهُمْ وَفَاةُ صَاحِبِهِمُ اخْتَلَفُوا وَجَرَتْ بَيْنَ عِزِّ الدِّينِ عُثْمَانَ وَبَيْنَ حِطَّانَ حَرْبٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرُومُ أَنْ يَغْلِبَ الْآخَرَ عَلَى مَا بِيَدِهِ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ، فَخَافَ صَلَاحُ الدِّينِ أَنْ يَطْمَعَ أَهْلُ الْبِلَادِ فِيهَا بِسَبَبِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَأَنْ يُخْرِجُوهُمْ مِنَ الْبِلَادِ، فَأَرْسَلَ هَؤُلَاءِ إِلَيْهَا، وَاسْتَوْلَى قُتْلُغُ أَبَهَ عَلَى زَبِيدَ وَأَزَالَ حِطَّانَ عَنْهَا.
ثُمَّ مَاتَ قُتْلُغُ أَبَهَ، فَعَادَ حِطَّانُ إِلَى إِمَارَةِ زَبِيدَ، وَأَطَاعَهُ النَّاسُ لِجُودِهِ وَشَجَاعَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute