للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْرَفُ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْمُلُوكُ وَالشَّبَابُ مَنْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، حَسَنَ السِّيرَةِ فِي رَعِيَّتِهِ عَادِلًا فِيهِمْ.

وَلَمَّا قَضَى نَحْبَهُ أَرْسَلَ الْأُمَرَاءُ إِلَى أَتَابِكَ عِزِّ الدِّينِ يَسْتَدْعُونَهُ إِلَى حَلَبَ، فَسَارَ هُوَ وَمُجَاهِدُ الدِّينِ قَايْمَازُ إِلَى الْفُرَاتِ، وَأَرْسَلَ فَأَحْضَرَ الْأُمَرَاءَ عِنْدَهُ مِنْ حَلَبَ، فَحَضَرُوا، وَسَارُوا جَمِيعًا إِلَى حَلَبَ، وَدَخَلَهَا فِي الْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَانَ صَلَاحُ الدِّينِ حِينَئِذٍ بِمِصْرَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَزَاحَمَهُمْ عَلَيْهَا وَقَاتَلَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَازَ فِي طَرِيقِهِ إِلَيْهَا مِنَ الْفُرَاتِ كَانَ تَقِيُّ الدِّينَ عُمَرُ ابْنُ أَخِي صَلَاحِ الدِّينِ بِمَدِينَةِ مَنْبَجَ، فَسَارَ عَنْهَا هَارِبًا إِلَى حَمَاةَ، وَثَارَ أَهْلُ حَمَاةَ، وَنَادُوا بِشِعَارِ عِزِّ الدِّينِ، فَأَشَارَ عَسْكَرُ حَلَبَ عَلَى عِزِّ الدِّينِ بِقَصْدِ دِمَشْقَ، وَأَطْمَعُوهُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الشَّامِ، وَأَعْلَمُوهُ مَحَبَّةَ أَهْلِهَا لَهُ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَالَ: بَيْنَنَا يَمِينٌ فَلَا نَغْدِرُ بِهِ، وَأَقَامَ بِحَلَبَ عِدَّةَ شُهُورٍ، ثُمَّ سَارَ عَنْهَا إِلَى الرَّقَّةِ.]

ذِكْرُ تَسْلِيمِ حَلَبَ إِلَى عِمَادِ الدِّينِ وَأَخَذِ سِنْجَارَ عِوَضًا عَنْهَا

لَمَّا وَصَلَ عِزُّ الدِّينِ إِلَى الرَّقَّةِ جَاءَتْهُ رُسُلُ أَخِيهِ عِمَادِ الدِّينِ، صَاحِبِ سِنْجَارَ، يَطْلُبُ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ حَلَبَ وَيَأْخُذَ عِوَضًا عَنْهَا مَدِينَةَ سِنْجَارَ. فَلَمْ يَجُبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَلَجَّ عِمَادُ الدِّينِ، وَقَالَ: إِنْ سَلَّمْتُمْ إِلَيَّ حَلَبَ. وَإِلَّا سَلَّمْتُ أَنَا سِنْجَارَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، فَأَشَارَ حِينَئِذٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ بِتَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ، وَكَانَ أَشَدُّهُمْ فِي ذَلِكَ مُجَاهِدَ الدِّينِ قَايْمَازَ، فَلَمْ يُمْكِنْ عِزَّ الدِّينِ مُخَالَفَتُهُ لِتَمَكُّنِهِ فِي الدَّوْلَةِ، وَكَثْرَةِ عَسَاكِرِهِ وَبِلَادِهِ، وَإِنَّمَا حَمَلَ مُجَاهِدَ الدِّينِ عَلَى ذَلِكَ خَوْفُهُ مِنْ عِزِّ الدِّينِ، لِأَنَّهُ عَظُمَ فِي نَفْسِهِ، وَكَثُرَ مَعَهُ الْعَسْكَرُ.

وَكَانَ الْأُمَرَاءُ الْحَلَبِيُّونَ لَا يَلْتَفُّونَ إِلَى مُجَاهِدِ الدِّينِ، وَلَا يَسْلُكُونَ مَعَهُ مِنَ الْأَدَبِ مَا يَفْعَلُهُ عَسْكَرُ الْمَوْصِلِ، فَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى تَسْلِيمِ حَلَبَ إِلَى عِمَادِ الدِّينِ وَأَخْذِ سِنْجَارَ عِوَضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>