للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمَّا طَمِعَ فِيهِ، فَوَصَلَ الْحُجَّاجُ سَالِمِينَ.

فَلَمَّا وَصَلُوا وَفَرَغَ سِرُّهُ مِنْ جِهَتِهِمْ سَارَ إِلَى الْكَرَكِ فَحَصَرَهُ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ وَانْتَظَرَ وُصُولَ الْعَسْكَرِ الْمِصْرِيِّ، فَوَصَلُوا إِلَيْهِ عَلَى الْكَرَكِ، وَبَثَّ سَرَايَاهُ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وِلَايَةِ الْكَرَكِ وَالشَّوْبَكِ وَغَيْرِهِمَا، فَنَهَبُوا وَخَرَّبُوا وَأَحْرَقُوا، وَالْبِرِنْسُ مَحْصُورٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ عَنْ بَلَدِهِ.

وَسَائِرُ الْفِرِنْجِ قَدْ لَزِمُوا طَرَفَ بِلَادِهِمْ، خَوْفًا مِنَ الْعَسْكَرِ الَّذِي مَعَ وَلَدِهِ الْأَفْضَلِ، فَتَمَكَّنَ مِنَ الْحَصْرِ وَالنَّهْبِ وَالتَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ، هَذَا فِعْلُ صَلَاحِ الدِّينِ.

ذِكْرُ الْغَارَةِ عَلَى بَلَدِ عَكَّا

أَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى وَلَدِهِ الْأَفْضَلِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُرْسِلَ قِطْعَةً صَالِحَةً مِنَ الْجَيْشِ إِلَى بَلَدِ عَكَّا يَنْهَبُونَهُ وَيُخَرِّبُونَهُ، فَسَيَّرَ مُظَفَّرَ الدِّينِ كَوْكَبْرِيَّ بْنَ زَيْنِ الدِّينِ، وَهُوَ صَاحِبُ حَرَّانَ وَالرُّهَا، وَأَضَافَ إِلَيْهِ قَايْمَازْ النَّجْمِيَّ وَدِلْدِرْمَ الْيَارُوقِيَّ - وَهُمَا مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ - وَغَيْرَهُمَا فَسَارُوا لَيْلًا، وَصَبَّحُوا صَفُّورِيَّةَ أَوَاخِرَ صَفَرٍ.

فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الْفِرِنْجُ فِي جَمْعٍ مِنَ الدَّاوِيَّةِ وَالِاسْبِتَارِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، فَالْتَقَوْا هُنَاكَ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ تَشِيبُ لَهَا الْمَفَارِقُ السُّودُ.

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَأُسِرَ الْبَاقُونَ، وَفِيمَنْ قُتِلَ مُقَدَّمُ الِاسْبِتَارِيَّةِ، وَكَانَ مِنْ فُرْسَانِ الْفِرِنْجِ الْمَشْهُورِينَ، وَلَهُ الْكِنَايَاتُ الْعَظِيمَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَنَهَبَ الْمُسْلِمُونَ مَا جَاوَرَهُمْ مِنَ الْبِلَادِ، وَغَنِمُوا وَسَبَوْا، وَعَادُوا سَالِمِينَ، وَكَانَ عَوْدُهُمْ عَلَى طَبَرِيَّةَ، وَبِهَا الْقُمُّصُ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ، فَكَانَ فَتْحًا كَثِيرًا، فَإِنَّ الدَّاوِيَّةَ وَالِاسْبِتَارِيَّةَ هُمْ جَمْرَةُ الْفِرِنْجِ، وَسُيِّرَتِ الْبَشَائِرُ إِلَى الْبِلَادِ بِذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>