فَإِنْ جَاءَهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ. وَإِلَّا سَلَّمُوا الْقَلْعَةَ بِمَا فِيهَا مِنْ ذَخَائِرَ وَدَوَابَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ وَأَخَذَ رَهَائِنَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ.
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ سَلَّمُوهَا إِلَيْهِ، وَاتَّفَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَادِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكَانَ سَبَبُ اسْتِمْهَالِهِمْ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَى الْبَيْمُنْدَ، صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ، وَكَانَ هَذَا الْحِصْنُ لَهُ، يُعَرِّفُونَهُ أَنَّهُمْ مَحْصُورُونَ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يُرَحِّلَ عَنْهُمُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا سَلَّمُوهَا.
وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِرُعْبٍ قَذَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِهِمْ، وَإِلَّا فَلَوْ أَقَامُوا الدَّهْرَ الطَّوِيلَ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ، وَلَا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ غَرَضًا فَلَمَّا تَسَلَّمَ صَلَاحُ الدِّينِ الْحِصْنَ سَلَّمَهُ إِلَى أَمِيرٍ يُقَالُ لَهُ قَلْجُ، وَأَمَرَهُ بِعِمَارَتِهِ. وَرَحَلَ عَنْهُ.
ذِكْرُ فَتْحِ سَرْمِينِيَّةَ
لَمَّا كَانَ صَلَاحُ الدِّينِ مَشْغُولًا بِهَذِهِ الْقِلَاعِ وَالْحُصُونِ، سَيَّرَ وَلَدَهُ الظَّاهِرَ غَازِي صَاحِبَ حَلَبَ، فَحَصَرَ سَرْمِينِيَّةَ، وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا، وَاسْتَنْزَلَهُمْ عَلَى قَطِيعَةٍ قَرَّرَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَنْزَلَهُمْ، وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْمُقَاطَعَةَ، هَدَمَ الْحِصْنَ وَعَفَى أَثَرَهُ وَعَالِيَ بُنْيَانِهِ.
وَكَانَ فِيهِ وَفِي هَذِهِ الْحُصُونِ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ الْجَمُّ الْغَفِيرُ فَأُطْلِقُوا، وَأُعْطُوا كِسْوَةً وَنَفَقَةً، وَكَانَ فَتْحُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ.
وَاتُّفِقَ أَنَّ فَتْحَ هَذِهِ الْمُدُنِ وَالْحُصُونِ جَمِيعِهَا مِنْ جَبَلَةَ إِلَى سَرْمِينِيَّةَ، مَعَ كَثْرَتِهَا، كَانَ فِي سِتِّ جُمَعٍ مَعَ أَنَّهَا فِي أَيْدِي أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَسُبْحَانَ مَنْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسَهِّلَ الصَّعْبَ فَعَلَ وَهِيَ جَمِيعُهَا مِنْ أَعْمَالِ أَنْطَاكِيَةَ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا سِوَى الْقُصَيْرِ، وَبَغْرَاسَ، وَدَرْبِ سَاكْ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَكَانِهِ.
ذِكْرُ فَتْحِ بَرْزَيَةَ
لَمَّا دَخَلَ صَلَاحُ الدِّينِ مِنْ قَلْعَةِ الشُّغْرِ سَارَ إِلَى قَلْعَةِ بَرْزَيَةَ، وَكَانَتْ قَدْ وُصِفَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute