للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهُ مَشَاهِدَهُ وَفُتُوحَهُ، وَكَانَ صَلَاحُ الدِّينِ قَدْ تَبَارَكَ بِرُؤْيَتِهِ، وَتَيَمَّنَ بِصُحْبَتِهِ، وَكَانَ يُكْرِمُهُ كَثِيرًا وَيَنْبَسِطُ مَعَهُ، وَيَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ فِي أَعْمَالِهِ كُلِّهَا.

وَدَخَلَ دِمَشْقَ أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَأُشِيرَ عَلَيْهِ بِتَفْرِيقِ الْعَسَاكِرِ، فَقَالَ: إِنَّ الْعُمُرَ قَصِيرٌ وَالْأَجَلَ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَقَدْ بَقِيَ بِيَدِ الْفِرِنْجِ هَذِهِ الْحُصُونُ: كَوْكَبُ، وَصَفَدُ، وَالْكَرَكُ، وَغَيْرُهَا وَلَا بُدَّ مِنَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، فَإِنَّهَا فِي وَسَطِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّ أَهْلِهَا، وَإِنْ أَغْفَلْنَاهُمْ نَدِمْنَا فِيمَا بَعْدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ذِكْرُ فَتَحِ الْكَرَكِ وَمَا يُجَاوِرُهُ

كَانَ صَلَاحُ الدِّينِ قَدْ جَعَلَ عَلَى الْكَرَكِ عَسْكَرًا يَحْصُرُهُ، فَلَازَمُوا الْحِصَارَ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، حَتَّى فَنِيَتْ أَزْوَادُ الْفِرِنْجِ وَذَخَائِرُهُمْ، وَأَكَلُوا دَوَابَّهُمْ، وَصَبَرُوا حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلصَّبْرِ مَجَالٌ، فَرَاسَلُوا الْمَلِكَ الْعَادِلَ، أَخَا صَلَاحِ الدِّينِ، وَكَانَ جَعَلَهُ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى قَلْعَةِ الْكَرَكِ، فِي جَمْعٍ مِنَ الْعَسْكَرِ يَحْصُرُهَا، وَيَكُونُ مُطَّلِعًا عَلَى هَذِهِ النَّاحِيَةِ مِنَ الْبِلَادِ لَمَّا أَبْعَدَ هُوَ إِلَى دَرْبِ سَاكْ، وَبَغْرَاسَ.

فَوَصَلَتْهُ رُسُلُ الْفِرِنْجِ، مِنَ الْكَرَكِ يَبْذُلُونَ تَسْلِيمَ الْقَلْعَةِ إِلَيْهِ، وَيَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مُقَدَّمِ الْعَسْكَرِ الَّذِي يَحْصُرُهَا فِي الْمَعْنَى، فَتَسَلَّمَ الْقَلْعَةَ مِنْهَا وَأَمَّنَهُمْ.

وَتَسَلَّمَ أَيْضًا مَا يُقَارِبُهُ مِنَ الْحُصُونِ كَالشَّوْبَكِ، وَهُرْمُزَ، وَالْوَعِيرَةِ، وَالسَّلْعِ، وَفَرَّغَ الْقَلْبَ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَأَلْقَى الْإِسْلَامَ هُنَاكَ جُرَّانَهُ، وَأَمِنَتْ قُلُوبُ مَنْ فِي ذَلِكَ السَّقْعِ مِنَ الْبِلَادِ، كَالْقُدْسِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مِمَّنْ بِتِلْكَ الْحُصُونِ وَجِلِينَ، وَمِنْ شَرِّهِمْ مُشْفِقِينَ.

ذِكْرُ فَتْحِ قَلْعَةِ صَفَدَ

لَمَّا وَصَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى دِمَشْقَ، وَأُشِيرَ عَلَيْهِ بِتَفْرِيقِ الْعَسَاكِرِ، وَقَالَ: لَا بُدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>