فَلْجٍ، وَكَانُوا قَدْ خَلَّفُوا رَجُلَيْنِ عَلَى فَرَسَيْنِ سَابِقَيْنِ رَبِيئَةً لِيُخْبِرَاهُمْ بِخَبَرِهِمْ إِنْ سَارُوا إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا وَصَلَتْ تَمِيمٌ إِلَى الرَّجُلَيْنِ أَجْرَيَا فَرَسَيْهِمَا وَسَارَا مُجِدَّيْنِ فَأَنْذَرَا قَوْمَهُمَا، فَأَتَاهُمُ الصَّرِيخُ بِمَسِيرِ تَمِيمٍ عِنْدَ وُصُولِهِمْ إِلَى فَلْجٍ، فَضَرَبَ حَنْظَلَةُ بْنُ يَسَارٍ الْعِجْلِيُّ قُبَّتَهُ، وَنَزَلَ فَنَزَلَ النَّاسُ مَعَهُ وَتَهَيَّأُوا لِلْقِتَالِ مَعَهُ، وَلَحِقَتْ بَنُو تَمِيمٍ فَقَاتَلَتْهُمْ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ قِتَالًا شَدِيدًا، وَحَمَلَ عَرْفَجَةُ بْنُ بَحِيرٍ الْعِجْلِيُّ عَلَى خَالِدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَلَمَةَ التَّمِيمِيِّ فَطَعَنَهُ وَأَخَذَهُ أَسِيرًا، وَقُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ رِبْعِيُّ بْنُ مَالِكِ بْنِ سَلَمَةَ، فَانْهَزَمَتْ تَمِيمٌ وَبَلَغَتْ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ مِنْهَا مَا أَرَادَتْ، ثُمَّ إِنَّ عَرْفَجَةَ أَطْلَقَ خَالِدَ بْنَ مَالِكٍ وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ:
وَجَدْنَا الرِّفْدَ رِفْدَ بَنِي لُجَيْمٍ ... إِذَا مَا قَلَّتِ الْأَرْفَادُ زَادَا
هُمُ ضَرَبُوا الْقِبَابَ بِبَطْنِ فَلْجٍ ... وَذَادُوا عَنْ مَحَارِمِهِمْ ذِيَادَا
وَهُمْ مَنُّوا عَلَيَّ وَأَطْلَقُونِي ... وَقَدْ طَاوَعْتُ فِي الْجَنْبِ الْقِيَادَا
أَلَيْسُوا خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... وَأَعْظَمَهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا رَمَادَا
أَلَيْسَ هُمُ عِمَادُ الْحَيِّ بَكْرًا ... إِذَا نَزَلَتْ مُجَلَّلَةً شِدَادَا
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ يُعَيِّرُ خَالِدًا:
لَوْ كُنْتَ حُرًّا يَا ابْنَ سُلْمَى بْنِ جَنْدَلٍ ... نَهَضْتَ وَلَمْ تَقْصِدْ لِسُلْمَى بْنِ جَنْدَلِ
فَمَا بَالُ أَصْدَاءٍ بِفَلْجٍ غَرِيبَةٍ ... تُنَادِي مَعَ الْأَطْلَالِ: يَا لِابْنِ حَنْظَلِ
صَوَادِيَ لَا مَوْلًى عَزِيزٌ يُجِيبُهَا ... وَلَا أُسْرَةٌ تَسْقِي صَدَاهَا بِمَنْهَلِ
وَغَادَرْتَ رِبْعِيًّا بِفَلْجٍ مُلَحَّبًا ... وَأَقْبَلْتَ فِي أُولَى الرَّعِيلِ الْمُعَجَّلِ
تُوَائِلُ مِنْ خَوْفِ الرَّدَى لَا وُقِيتَهُ ... كَمَا نَالَتِ الْكَدْرَاءُ مِنْ حَيْنِ أَجْدَلِ
يُعَيِّرُهُ حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْ بِثَأْرِ أَخِيهِ رِبْعِيٍّ وَمَنْ قُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ فَلْجٍ، وَيَقُولُ: إِنَّ أَصْدَاءَهُمْ تُنَادِي وَلَا يَسْقِيهَا أَحَدٌ، عَلَى مَذْهَبِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَوْلَا التَّطْوِيلُ لَشَرَحْنَاهُ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا.