للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَرَجَ عَنْ أَيْدِينَا، وَلَمْ تَطُلِ الْمُدَّةُ حَتَّى نَسْتَجِدَّ غَيْرَهَا.

فَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِتَخْرِيبِهَا، وَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى دُخُولِهَا وَحِفْظِهَا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ إِلَى ذَلِكَ وَقَالُوا: إِنْ أَرَدْتَ حِفْظَهَا فَادْخُلْ أَنْتَ مَعَنَا أَوْ بَعْضُ أَوْلَادِكَ الْكِبَارِ، وَإِلَّا فَمَا يَدْخُلُهَا مِنَّا أَحَدٌ لِئَلَّا يُصِيبَنَا مَا أَصَابَ أَهْلَ عَكَّا، فَلَمَّا رَأَى الْأَمْرَ كَذَلِكَ سَارَ إِلَى عَسْقَلَانَ، وَأَمَرَ بِتَخْرِيبِهَا، فَخُرِّبَتْ تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ، وَأُلْقِيَتْ حِجَارَتُهَا فِي الْبَحْرِ، وَهَلَكَ فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالذَّخَائِرِ الَّتِي لِلسُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ مَا لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ، وَعُفِيَ أَثَرُهَا حَتَّى لَا يَبْقَى لِلْفِرِنْجِ فِي قَصْدِهَا مَطْمَعٌ.

وَلَمَّا سَمِعَ الْفِرِنْجُ بِتَخْرِيبِهَا أَقَامُوا مَكَانَهُمْ وَلَمْ يَسِيرُوا إِلَيْهَا، وَكَانَ الْمَرْكِيسُ، لَعَنَهُ اللَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْفِرِنْجُ عَكَّا قَدْ أَحَسَّ مِنْ مَلِكِ إِنْكِلْتَارَ الْغَدْرَ بِهِ، فَهَرَبَ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى مَدِينَةِ صُورَ، وَهِيَ لَهُ وَبِيَدِهِ، وَكَانَ رَجُلُ الْفِرِنْجِ رَأْيًا وَشَجَاعَةً، وَكُلُّ هَذِهِ الْحُرُوبِ هُوَ أَثَارَهَا.

فَلَمَّا خُرِّبَتْ عَسْقَلَانُ أَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ إِنْكِلْتَارَ يَقُولُ لَهُ: مِثْلُكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَلِكًا وَيَتَقَدَّمَ عَلَى الْجُيُوشِ، تَسْمَعُ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ قَدْ خَرَّبَ عَسْقَلَانَ، وَتُقِيمُ مَكَانَكَ يَا جَاهِلُ؟ لَمَّا بَلَغَكَ أَنَّهُ قَدْ شَرَعَ فِي تَخْرِيبِهَا كُنْتَ سِرْتَ إِلَيْهِ مُجِدًّا فَرَحَّلْتَهُ وَمَلَكْتَهَا صَفْوًا بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا حِصَارٍ، فَإِنَّهُ مَا خَرَّبَهَا إِلَّا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ حِفْظِهَا، وَحَقِّ الْمَسِيحِ لَوْ أَنَّنِي مَعَكَ كَانَتْ عَسْقَلَانُ الْيَوْمَ بِأَيْدِينَا لَمْ يُخَرَّبْ مِنْهَا غَيْرُ بُرْجٍ وَاحِدٍ.

فَلَمَّا خُرِّبَتْ عَسْقَلَانُ رَحَلَ صَلَاحُ الدِّينِ عَنْهَا ثَانِيَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمَضَى إِلَى الرَّمْلَةِ فَخَرَّبَ حِصْنَهَا وَخَرَّبَ كَنِيسَةَ لُدٍّ، وَفِي مُدَّةِ مُقَامِهِ لِتَخْرِيبِ عَسْقَلَانَ كَانَتِ الْعَسَاكِرُ مَعَ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ تُجَاهَ الْفِرِنْجِ، ثُمَّ سَارَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى الْقُدْسِ بَعْدَ تَخْرِيبِ الرَّمْلَةِ، فَاعْتَبَرَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ سِلَاحٍ وَذَخَائِرَ، وَقَرَّرَ قَوَاعِدَهُ وَأَسْبَابَهُ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَعَادَ إِلَى الْمُخَيَّمِ ثَامِنَ رَمَضَانَ.

وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ خَرَجَ مَلِكُ إِنْكِلْتَارَ مِنْ يَافَا. وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْفِرِنْجِ مِنْ مُعَسْكَرِهِمْ، فَوَقَعَ بِهِ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَادَ مَلِكُ إِنْكِلْتَارَ يُؤْسَرُ، فَفَدَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِنَفْسِهِ، فَتَخَلَّصَ الْمَلِكُ وَأُسِرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ.

وَفِيهَا أَيْضًا كَانَتْ وَقْعَةٌ بَيْنَ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْفِرِنْجِ انْتَصَرَ [فِيهَا] الْمُسْلِمُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>