للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَكَةِ نَسْتَمِيلُهُمْ، فَقَالَ لَهُ أَخِي: إِنْ أَشَارُوا بِتَرْكِ الْحَرَكَةِ تَقْبَلُونَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَا! قَالَ: إِنَّهُمْ لَا يُشِيرُونَ إِلَّا بِتَرْكِهَا، لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَقْوَى هَذَا السُّلْطَانُ خَوْفًا مِنْهُ، وَكَأَنِّي بِهِمْ يُغَالِطُونَكُمْ مَا دَامَتِ الْبِلَادُ الْجَزَرِيَّةُ فَارِغَةً مِنْ صَاحِبِ عَسْكَرٍ، فَإِذَا جَاءَ إِلَيْهَا مَنْ يَحْفَظُهَا جَاهَرُوكُمْ بِالْعَدَاوَةِ.

وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ خَوْفًا مِنْ مُجَاهِدِ الدِّينِ، حَيْثُ رَأَى مَيْلَهُ إِلَى مَا تَكَلَّمَ بِهِ، فَانْفَصَلُوا عَلَى أَنْ يُكَاتِبُوا أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ، فَكَاتَبُوهُمْ فَكُلٌّ أَشَارَ بِتَرْكِ الْحَرَكَةِ إِلَى أَنْ يَنْظُرَ مَا يَكُونُ مِنْ أَوْلَادِ صَلَاحِ الدِّينِ وَعَمِّهِمْ فَتَثَبَّطُوا.

ثُمَّ إِنَّ مُجَاهِدَ الدِّينِ كَرَّرَ الْمُرَاسَلَاتِ إِلَى عِمَادِ الدِّينِ، صَاحِبِ سِنْجَارَ، يَعِدُهُ وَيَسْتَمِيلُهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ كِتَابُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ مِنَ الْمُنَاخِ بِالْقُرْبِ مِنْ دِمَشْقَ، قَدْ سَارَ عَنْ دِمَشْقَ إِلَى بِلَادِهِ، يَذْكُرُ فِيهِ مَوْتَ أَخِيهِ، وَأَنَّ الْبِلَادَ قَدِ اسْتَقَرَّتْ لِوَلَدِهِ الْمَلِكِ الْأَفْضَلِ، وَالنَّاسَ مُتَّفِقُونَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُدَبِّرُ لِدَوْلَةِ الْأَفْضَلِ، وَقَدْ سَيَّرَهُ فِي عَسْكَرٍ جَمٍّ، كَثِيرِ الْعَدَدِ، لِقَصْدِ مَارْدِينَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ صَاحِبَهَا تَعَرَّضَ إِلَى بَعْضِ الْقُرَى الَّتِي لَهُ، وَذَكَرَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ شَيْئًا كَثِيرًا، فَظَنُّوهُ حَقًّا وَأَنَّ قَوْلَهُ لَا رَيْبَ فِيهِ، فَفَتَرُوا عَنِ الْحَرَكَةِ، وَذَلِكَ الرَّأْيِ.

فَسَيَّرُوا الْجَوَاسِيسَ، فَأَتَتْهُمُ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهُ فِي ظَاهِرِ حَرَّانَ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْ خَيْمَةٍ لَا غَيْرَ، فَعَادُوا فَتَحَرَّكُوا، فَإِلَى أَنْ تَقَرَّرَتِ الْقَوَاعِدُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِ سِنْجَارَ، وَصَلَتْهُ الْعَسَاكِرُ الشَّامِيَّةُ الَّتِي سَيَّرَهَا الْأَفْضَلُ وَغَيْرُهُ إِلَى الْعَادِلِ، فَامْتَنَعَ بِهَا وَسَارَ أَتَابِكْ عِزُّ الدِّينِ عَنِ الْمَوْصِلِ إِلَى نَصِيبِينَ، وَاجْتَمَعَ هُوَ وَأَخُوهُ عِمَادُ الدِّينِ بِهَا، وَسَارُوا عَلَى سِنْجَارَ نَحْوَ الرُّهَا، وَكَانَ الْعَادِلُ قَدْ عَسْكَرَ قَرِيبًا مِنْهَا بِمَرْجِ الرَّيْحَانِ، فَخَافَهُمْ خَوْفًا عَظِيمًا.

فَلَمَّا وَصَلَ أَتَابِكْ عِزُّ الدِّينِ إِلَى تَلِّ مَوْزَنٍ مَرِضَ بِالْإِسْهَالِ، فَأَقَامَ عِدَّةَ أَيَّامٍ فَضَعُفَ عَنِ الْحَرَكَةِ، وَكَثُرَ مَجِيءُ الدَّمِ مِنْهُ فَخَافَ الْهَلَاكَ، فَتَرَكَ الْعَسَاكِرَ مَعَ أَخِيهِ عِمَادِ الدِّينِ، وَعَادَ جَرِيدَةً فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ، وَمَعَهُ مُجَاهِدُ الدِّينِ، وَأَخِي - مَجْدُ الدِّينِ -، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى دَنَيْسِرَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الضَّعْفُ، فَأَحْضَرَ أَخِي وَكَتَبَ وَصِيَّةً، ثُمَّ سَارَ فَدَخَلَ الْمَوْصِلَ، وَهُوَ مَرِيضٌ أَوَّلَ رَجَبٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>