الشَّامِيِّ، وَهِيَ بَيْدِ الْفِرِنْجِ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ -.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِرِنْجَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُمُ الْكُنْد هِرِي، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، وَكَانَ الصُّلْحُ قَدِ اسْتَقَرَّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْفِرِنْجِ أَيَّامَ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَمَلَكَ أَوْلَادُهُ بَعْدَهُ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - جَدَّدَ الْمَلِكُ الْعَزِيزُ الْهُدْنَةَ مَعَ الْكُنْد هِرِي [مَلِكِ الْفِرِنْجِ] وَزَادَ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ، وَبَقِيَ ذَلِكَ إِلَى الْآنِ.
وَكَانَ بِمَدِينَةِ بَيْرُوتَ أَمِيرٌ يُعْرَفُ بِأُسَامَةَ، وَهُوَ مُقْطَعُهَا، فَكَانَ يُرْسِلُ الشَّوَانِيَ تَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى الْفِرِنْجِ، فَاشْتَكَى الْفِرِنْجُ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ بِدِمَشْقَ، وَإِلَى الْمَلِكِ الْعَزِيزِ بِمِصْرَ، فَلَمْ يَمْنَعَا أُسَامَةَ مِنْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى مُلُوكِهِمُ الَّذِينَ دَاخَلَ الْبَحْرِ يَشْتَكُونَ إِلَيْهِمْ مَا يَفْعَلُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، وَيَقُولُونَ: إِنْ لَمْ تَنْجِدُونَا، وَإِلَّا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْبِلَادَ، فَأَمَدَّهُمُ الْفِرِنْجُ بِالْعَسَاكِرِ الْكَثِيرَةِ، وَكَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ مَلِكِ الْأَلْمَانِ، وَكَانَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ قِسِّيسٌ يُعْرَفُ بِالْخُنْصِلِيرِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْعَادِلُ بِذَلِكَ، أَرْسَلَ إِلَى الْعَزِيزِ بِمِصْرَ يَطْلُبُ الْعَسَاكِرَ، وَأَرْسَلَ إِلَى دِيَارِ الْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ يَطْلُبُ الْعَسَاكِرَ، فَجَاءَتْهُ الْأَمْدَادُ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى عَيْنِ الْجَالُوتِ، فَأَقَامُوا شَهْرَ رَمَضَانَ وَبَعْضَ شَوَّالٍ، وَرَحَلُوا إِلَى يَافَا، وَمَلَكُوا الْمَدِينَةَ، وَامْتَنَعَ مَنْ بِهَا بِالْقَلْعَةِ الَّتِي لَهَا، فَخَرَّبَ الْمُسْلِمُونَ الْمَدِينَةَ، وَحَصَرُوا الْقَلْعَةَ، فَمَلَكُوهَا عَنْوَةً وَقَهْرًا بِالسَّيْفِ فِي يَوْمِهَا، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَأُخِذَ كُلُّ مَا بِهَا غَنِيمَةً وَأَسْرًا وَسَبْيًا، وَوَصَلَ الْفِرِنْجُ مِنْ عَكَّا إِلَى قَيْسَارِيَةَ، لِيَمْنَعُوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ يَافَا، فَوَصَلَهُمُ الْخَبَرُ بِهَا بِمِلْكِهَا فَعَادُوا.
وَكَانَ سَبَبُ تَأَخُّرِهِمْ أَنَّ مَلِكَهُمُ الْكُنْد هِرِي سَقَطَ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ بِعَكَّا فَمَاتَ، فَاخْتَلَّتْ أَحْوَالُهُمْ فَتَأَخَّرُوا لِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute