سَيْفُ الدِّينِ، - مُقَدَّمُ الْأَسَدِيَّةِ -، وَفَخْرُ الدِّينِ جَهَارْكَسُ - مُقَدَّمُ النَّاصِرِيَّةِ - لِيَتَّفِقُوا عَلَى مَنْ يُوَلُّونَهُ الْمُلْكَ، فَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ: نُوَلِّي ابْنَ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ سَيْفُ الدِّينِ: إِنَّهُ طِفْلٌ، وَهَذِهِ الْبِلَادُ ثَغْرُ الْإِسْلَامِ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَيِّمٍ بِالْمُلْكِ يَجْمَعُ الْعَسَاكِرَ، وَيُقَاتِلُ بِهَا، وَالرَّأْيُ أَنَّنَا نَجْعَلُ الْمُلْكَ فِي هَذَا الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، وَنَجْعَلُ مَعَهُ بَعْضَ أَوْلَادِ صَلَاحِ الدِّينِ يُدَبِّرُهُ إِلَى أَنْ يَكْبُرَ، فَإِنَّ الْعَسَاكِرَ لَا تُطِيعُ غَيْرَهُمْ، وَلَا تَنْقَادُ لِأَمِيرٍ، فَاتَّفَقَا عَلَى هَذَا، فَقَالَ جَهَارْكَسُ: فَمَنْ يَتَوَلَّى هَذَا؟ فَأَشَارَ يَازْكَجُ بِغَيْرِ الْأَفْضَلِ مِمَّنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَهَارْكَسَ مُنَازَعَةٌ لِئَلَّا يُتَّهَمَ وَيَنْفَرَ جَهَارْكَسُ عَنْهُ، فَامْتَنَعَ مِنْ وِلَايَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ مِنْ أَوْلَادِ صَلَاحِ الدِّينِ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ إِلَى أَنْ ذَكَرَ آخِرَهُمُ الْأَفْضَلُ، فَقَالَ جَهَارْكَسُ: هُوَ بَعِيدٌ عَنَّا، وَكَانَ بِصَرْخَدَ مُقِيمًا فِيهَا مِنْ حِينِ أُخِذَتْ مِنْهُ دِمَشْقُ، فَقَالَ يَازْكَجُ: نُرْسِلُ إِلَيْهِ مَنْ يَطْلُبُهُ مُجِدًّا، فَأَخَذَ جَهَارْكَسُ يُغَالِطُهُ، فَقَالَ يَازْكَجُ: نَمْضِي إِلَى الْقَاضِي الْفَاضِلَ وَنَأْخُذُ رَأْيَهُ، فَاتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، (وَأَرْسَلَ يَازْكَجُ يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ، وَيُشِيرُ بِتَمْلِيكِ الْأَفْضَلِ) ، فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَهُ، وَعَرَّفَاهُ صُورَةَ الْحَالِ، أَشَارَ بِالْأَفْضَلِ، فَأَرْسَلَ يَازْكَجُ فِي الْحَالِ الْقُصَّادَ وَرَاءَهُ، فَسَارَ عَنْ صَرْخَدَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ، مُتَنَكِّرًا فِي تِسْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا، لِأَنَّ الْبِلَادَ كَانَتْ لِلْعَادِلِ، وَيَضْبُطُ نُوَّابُهُ الطُّرُقَ، لِئَلَّا يَجُوزَ إِلَى مِصْرَ لِيَجِيءَ الْعَادِلُ وَيَمْلِكَهَا.
فَلَمَّا قَارَبَ الْأَفْضَلُ الْقُدْسَ، وَقَدْ عَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ، لَقِيَهُ فَارِسَانِ قَدْ أُرْسِلَا إِلَيْهِ مِنَ الْقُدْسِ، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ مَنْ بِالْقُدْسِ قَدْ صَارَ فِي طَاعَتِهِ، وَجَدَّ فِي السَّيْرِ، فَوَصَلَ إِلَى بِلْبِيسَ خَامِسَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَقِيَهُ إِخْوَتُهُ، وَجَمَاعَةُ الْأُمَرَاءِ الْمِصْرِيَّةُ، وَجَمِيعُ الْأَعْيَانِ، فَاتُّفِقَ أَنَّ أَخَاهُ الْمَلِكَ الْمُؤَيَّدَ مَسْعُودًا صَنَعَ لَهُ طَعَامًا، وَصَنَعَ لَهُ فَخْرُ الدِّينِ مَمْلُوكُ أَبِيهِ طَعَامًا، فَابْتَدَأَ بِطَعَامِ أَخِيهِ لِيَمِينٍ حَلَفَهَا أَخُوهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِهِ، فَظَنَّ جَهَارْكَسُ أَنَّهُ فَعَلَ هَذَا انْحِرَافًا عَنْهُ وَسُوءَ اعْتِقَادٍ فِيهِ، فَتَغَيَّرَتْ نِيَّتُهُ، وَعَزَمَ عَلَى الْهَرَبِ، فَحَضَرَ عِنْدَ الْأَفْضَلِ وَقَالَ: إِنَّ طَائِفَةً مِنَ الْعَرَبِ قَدِ اقْتَتَلُوا، وَلَئِنْ لَمْ تَمْضِ إِلَيْهِمْ تُصْلِحْ بَيْنَهُمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى فَسَادٍ، فَأَذِنَ لَهُ الْأَفْضَلُ فِي الْمُضِيِّ إِلَيْهِمْ، فَفَارَقَهُ، وَسَارَ مُجِدًّا حَتَّى وَصَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute