للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَثَبَ الْمَلَاحِدَةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ عَلَى نِظَامِ الْمُلْكِ مَسْعُودِ بْنِ عَلِيٍّ، وَزِيرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ تُكُشَ، فَقَتَلُوهُ، وَكَانَ صَالِحًا كَثِيرَ الْخَيْرِ، حَسَنَ السِّيرَةِ، شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ، بَنَى لِلشَّافِعِيَّةِ بِمَرْوَ جَامِعًا مُشْرِفًا عَلَى جَامِعِ الْحَنَفِيَّةِ، فَتَعَصَّبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ [بِمَرْوَ] وَهُوَ مُقَدَّمُ الْحَنَابِلَةِ بِهَا، قَدِيمُ الرِّيَاسَةِ، وَجَمَعَ الْأَوْبَاشِ، فَأَحْرَقَهُ. فَأَنْفَذَ خُوَارِزْمُ شَاهْ فَأَحْضَرَ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَجَمَاعَةً مِمَّنْ سَعَى فِي ذَلِكَ، فَأَغْرَمَهُمْ مَالًا كَثِيرًا.

وَبَنَى الْوَزِيرُ أَيْضًا مَدْرَسَةً عَظِيمَةً بِخَوَارِزْمَ وَجَامِعًا وَجَعَلَ فِيهَا خِزَانَةَ كُتُبٍ، وَلَهُ آثَارٌ حَسَنَةٌ بِخُرَاسَانَ بَاقِيَةٌ، وَلَمَّا مَاتَ خَلَّفُ وَلَدًا صَغِيرًا، فَاسْتَوْزَرَهُ خُوَارِزْمُ شَاهْ رِعَايَةً لِحَقِّ أَبِيهِ، فَأُشِيرَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْفِيَ، فَأَرْسَلَ يَقَوْلُ: إِنَّنِي صَبِيٌّ لَا أَصْلُحُ لِهَذَا الْمَنْصِبِ الْجَلِيلِ، فَيُوَلِّي السُّلْطَانُ فِيهِ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إِلَى أَنْ أَكْبُرَ، فَإِنْ كُنْتُ أَصْلُحُ فَأَنَا الْمَمْلُوكُ، فَقَالَ خُوَارِزْمُ شَاهْ: لَسْتُ أُعْفِيكَ، وَأَنَا وَزِيرُكَ، فَكُنْ مُرَاجِعِي فِي الْأُمُورِ، فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ مِنْهَا شَيْءٌ. فَاسْتَحْسَنَ النَّاسُ هَذَا، ثُمَّ إِنَّ الصَّبِيَّ لَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَ خُوَارِزْمَ شَاهْ بِيَسِيرٍ.

[الْوَفَيَاتُ]

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، تُوُفِّيَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ كُلَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ الْمُقِيمُ بِبَغْدَادَ وَلَهُ سِتٌّ وَتِسْعُونَ سَنَةً وَشَهْرَانِ، وَكَانَ عَالِيَ الْإِسْنَادِ فِي الْحَدِيثِ، وَكَانَ ثِقَةً صَحِيحَ السَّمَاعِ.

وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْهَا تُوُفِّيَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْبَيْسَانِيُّ الْكَاتِبُ الْمَشْهُورُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ أَحْسَنَ كِتَابَةً مِنْهُ، وَدُفِنَ بِظَاهِرِ مِصْرَ بِالْقَرَافَةِ، وَكَانَ دَيِّنًا كَثِيرَ الصَّدَقَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَلَهُ وُقُوفٌ كَثِيرَةٌ عَلَى الصَّدَقَةِ وَفَكِّ الْأُسَارَى، وَكَانَ يُكْثِرُ الْحَجَّ وَالْمُجَاوَرَةَ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ السُّلْطَانِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ يُعَظِّمُهُ وَيَحْتَرِمُهُ وَيُكْرِمُهُ، وَيَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ، - رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>