مِنْهَا وَسَيَّرَهُمْ إِلَى حِمْصَ، فَأَقَامُوا عِنْدَ أَسَدِ الدِّينِ شِيرْكُوه صَاحِبِهَا.
وَكَانَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ قَدْ سَارَ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ [عَلَى] مَدِينَةِ نَابُلُسَ وَسَيَّرَ جَمْعًا مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَى دِمَشْقَ لِيَحْفَظَهَا، فَوَصَلُوا قَبْلَ وُصُولِ الظَّاهِرِ وَالْأَفْضَلِ، وَحَضَرَ فَخْرُ الدِّينِ جَرْكَسُ وَغَيْرُهُ مِنَ النَّاصِرِيَّةِ عِنْدَ الظَّاهِرِ، وَزَحَفُوا إِلَى دِمَشْقَ وَقَاتَلُوهَا رَابِعَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ عَلَيْهَا، فَالْتَصَقَ الرِّجَالُ بِالسُّورِ، فَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ، فَعَادُوا وَقَدْ قَوِيَ الطَّمَعُ فِي أَخْذِهَا، ثُمَّ زَحَفُوا إِلَيْهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُلْكُهَا، لِأَنَّ الْعَسْكَرَ صَعِدَ إِلَى سَطْحِ خَانِ ابْنِ الْمُقَدَّمِ، وَهُوَ مُلَاصِقٌ لِلسُّورِ، فَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهُمُ اللَّيْلُ لَمَلَكُوا الْبَلَدَ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ، وَهُمْ عَازِمُونَ عَلَى الزَّحْفِ بُكْرَةً، وَلَيْسَ لَهُمْ عَنِ الْبَلَدِ مَانِعٌ، حَسَدَ الظَّاهِرُ أَخَاهُ الْأَفْضَلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ تَكُونُ دِمَشْقُ لَهُ وَبِيَدِهِ وَيُسَيِّرُ الْعَسَاكِرَ مَعَهُ إِلَى مِصْرَ. فَقَالَ لَهُ الْأَفْضَلُ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدَتِي وَأَهْلِي - وَهُمْ أَهْلُكَ أَيْضًا - عَلَى الْأَرْضِ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْضِعٌ يَأْوُونَ إِلَيْهِ، فَاحْسِبْ أَنَّ هَذَا الْبَلَدَ لَكَ تُعِيرُنَاهُ لِيَسْكُنَهُ أَهْلِي هَذِهِ الْمُدَّةَ إِلَى أَنْ يُمْلَكَ مِصْرُ.
فَلَمْ يُجِبْهُ الظَّاهِرُ إِلَى ذَلِكَ، وَلَجَّ، فَلَمَّا رَأَى الْأَفْضَلُ ذَلِكَ الْحَالَ قَالَ لِلنَّاصِرِيَّةِ وَكُلِّ مَنْ جَاءَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْجُنْدِ: إِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ إِلَيَّ فَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الْعَوْدِ إِلَى الْعَادِلِ، وَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ إِلَى أَخِي الظَّاهِرِ فَأَنْتُمْ وَهُوَ أَخْبَرُ، وَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يُرِيدُونَ الْأَفْضَلَ، فَقَالُوا: مَا نُرِيدُ سِوَاكَ، وَالْعَادِلُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَخِيكَ، فَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْعَوْدِ، فَهَرَبَ فَخْرُ الدِّينِ جَرْكَسُ وَزَيْنُ الدِّينِ قَرَاجَةُ الَّذِي أَعْطَاهُ الْأَفْضَلُ صَرْخَدَ، فَمِنْهُمْ مَنْ دَخَلَ دِمَشْقَ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَادَ إِلَى إِقْطَاعِهِ، فَلَمَّا انْفَسَخَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ عَادُوا إِلَى تَجْدِيدِ الصُّلْحِ مَعَ الْعَادِلِ، فَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمْ، وَاسْتَقَرَّ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلظَّاهِرِ مَنْبِجُ، وَأَفَامِيَةُ وَكَفَرْطَابَ، وَقُرًى مُعَيَّنَةٌ مِنَ الْمَعَرَّةِ، وَيَكُونُ لِلْأَفْضَلِ سُمَيْسَاطُ، وَسَرُوجُ، وَرَأْسُ عَيْنٍ، وَحَمَلِينَ، وَرَحَلُوا عَنْ دِمَشْقَ أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، فَقَصَدَ الْأَفْضَلُ حِمْصَ فَأَقَامَ بِهَا وَسَارَ الظَّاهِرُ إِلَى حَلَبَ، وَوَصَلَ الْعَادِلُ إِلَى دِمَشْقَ تَاسِعَ الْمُحَرَّمِ، وَسَارَ الْأَفْضَلُ إِلَيْهِ مِنْ حِمْصَ، فَاجْتَمَعَ بِهِ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ، وَعَادَ مِنْ عِنْدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute