وَجَمَعَ خُوَارِزْمُ شَاهْ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ عَنْ خُوَارِزْمَ نِصْفَ ذِي الْحَجِّهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَلَمَّا قَارَبَ نَسَا وَأَبِيوَرْدَ هَرَبَ هِنْدُوخَانُ ابْنُ أَخِي مَلِكْشَاهْ مِنْ مَرْوَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ بِفَيْرُوزَكُوه، وَمَلَكَ خُوَارِزْمُ شَاهْ مَدِينَةَ مَرْوَ، وَسَارَ إِلَى نَيْسَابُورَ وَبِهَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَحَصَرَهُ، وَقَاتَلَهُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَطَالَ مُقَامُهُ عَلَيْهَا، وَرَاسَلَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي تَسْلِيمِ الْبَلَدِ إِلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُجِيبُ إِلَى ذَلِكَ انْتِظَارًا لِلْمَدَدِ مِنْ غِيَاثِ الدِّينِ، فَبَقِيَ نَحْوَ شَهْرَيْنِ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَنْهُ النَّجْدَةُ أَرْسَلَ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ يَطْلُبُ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْغُورِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِمْ بِحَبْسٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْأَذَى، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَحَلَفَ لَهُمْ، وَخَرَجُوا مِنَ الْبَلَدِ وَأَحْسَنَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَيْهِمْ، وَوَصَلَهُمْ بِمَالٍ جَلِيلٍ وَهَدَايَا كَثِيرَةٍ، وَطَلَبَ مِنْ عَلَاءِ الدِّينِ أَنْ يَسْعَى فِي الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غِيَاثِ الدِّينِ وَأَخِيهِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ.
وَسَارَ إِلَى هَرَاةَ، وَمِنْهَا إِلَى إِقْطَاعِهِ، وَلَمْ يَمْضِ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ تَجَنِّيًا عَلَيْهِ لِتَأَخُّرِ أَمْدَادِهِ، وَلَمَّا خَرَجَ الْغُورِيَّةُ مِنْ نَيْسَابُورَ أَحْسَنَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ خَرْمِيلَ، وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ أُمَرَائِهِمْ، زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ، وَبَالَغَ فِي إِكْرَامِهِ، فَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ اسْتَحْلَفَهُ لِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ بَعْدَ غِيَاثِ الدِّينِ وَأَخِيهِ شِهَابِ الدِّينِ.
ثُمَّ سَارَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَى سَرَخْسَ، وَبِهَا الْأَمِيرُ زِنْكِي، فَحَصَرَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَجَرَى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ، فَضَاقَتِ الْمِيرَةُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ، لَا سِيَّمَا الْحَطَبُ، فَأَرْسَلَ زِنْكِي إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ بَابِ الْبَلَدِ حَتَّى يَخْرُجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَيَتْرُكَ الْبَلَدَ لَهُ، فَرَاسَلَهُ خُوَارِزْمُ شَاهْ فِي الِاجْتِمَاعِ بِهِ لِيُحْسِنَ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْ مَعَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِقُرْبِ نَسَبِهِ مِنْ غِيَاثِ الدِّينِ، فَأَبْعَدَ خُوَارِزْمُ شَاهْ عَنْ بَابِ الْبَلَدِ بِعَسَاكِرِهِ، فَخَرَجَ زِنْكِي فَأَخَذَ مِنَ الْغَلَّاتِ وَغَيْرِهَا الَّتِي فِي الْمُعَسْكَرِ مَا أَرَادَ لَا سِيَّمَا مِنَ الْحَطَبِ، وَعَادَ إِلَى الْبَلَدِ وَأَخْرَجَ مِنْهُ مَنْ كَانَ قَدْ ضَاقَ بِهِ الْأَمْرُ، وَكَتَبَ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ: الْعُودُ أَحْمَدُ، فَنَدِمَ حَيْثُ لَمْ يَنْفَعْهُ النَّدَمُ، وَرَحَلَ عَنِ الْبَلَدِ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ يَحْصُرُونَهُ.
فَلَمَّا أَبْعَدَ خُوَارِزْمُ شَاهْ سَارَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرْبَكَ مِنَ الطَّالْقَانِ، وَهُوَ مِنْ أُمَرَاءَ الْغُورِيَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى زِنْكِي أَمِيرِ سَرَخْسَ يُعَرِّفُهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَكْبِسَ الْخُوَارِزْمِيِّينَ لِئَلَّا يَنْزَعِجَ إِذَا سَمِعَ الْغَلَبَةَ، وَسَمِعَ الْخُوَارِزْمِيُّونَ الْخَبَرَ، فَفَارَقُوا سَرَخْسَ، وَخَرَجَ زِنْكِي وَلَقِيَ مُحَمَّدَ بْنَ جَرْبَكَ وَعَسْكَرًا فِي مَرْوِ الرُّوذِ، وَأَخَذَ خَرَاجَهَا وَمَا يُجَاوِرُهَا، فَسَيَّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute