أَلَا مَنْ مُبْلِغُ الْأَكْفَاءَ عَنِّي ... فَلَا ظُلْمٌ لَدَيَّ وَلَا افْتِرَاءُ
فَلَسْتُ بِغَائِظِ الْأَكْفَاءِ ظُلْمًا ... وَعِنْدِي لِلْمُلَامَاتِ اجْتِزَاءُ
فَلَمْ أَرَ مِثْلَ مَنْ يَدْنُو لِخَسْفٍ ... لَهُ فِي الْأَرْضِ سَيْرٌ وَاسْتِوَاءُ
وَمَا بَعْضُ الْإِقَامَةِ فِي دِيَارٍ ... يُهَانُ بِهَا الْفَتَى إِلَّا عَنَاءُ
وَبَعْضُ الْقَوْلِ لَيْسَ لَهُ عَنَاجٌ ... كَمَحْضِ الْمَاءِ لَيْسَ لَهُ إِنَاءُ
وَبَعْضُ خَلَائِقِ الْأَقْوَامِ دَاءٌ ... كَدَاءِ الشُّحِّ لَيْسَ لَهُ دَوَاءُ
وَبَعْضُ الدَّاءِ مُلْتَمِسٌ شِفَاءً ... وَدَاءُ النُّوكِ لَيْسَ لَهُ شِفَاءُ
يُحِبُّ الْمَرْءُ أَنْ يَلْقَى نَعِيمًا ... وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا مَا يَشَاءُ
وَمَنْ يَكُ عَاقِلًا لَمْ يَلْقَ بُؤْسًا ... يُنِخْ يَوْمًا بِسَاحَتِهِ الْقَضَاءُ
تَعَاوَرُهُ بَنَاتُ الدَّهْرِ حَتَّى ... تُثَلِّمَهُ كَمَا ثُلِمَ الْإِنَاءُ
وَكُلُّ شَدَائِدٍ نَزَلَتْ بِحَيٍّ ... سَيَأْتِي بَعْدَ شِدَّتِهَا رَخَاءُ
فَقُلْ لِلْمُتَّقِي عَرْضَ الْمَنَايَا ... تَوَقَّ فَلَيْسَ يَنْفَعُكَ اتِّقَاءُ
فَمَا يُعْطَى الْحَرِيصُ غِنًى بِحِرْصٍ ... وَقَدْ يُنْمِي لَدَى الْجُودِ الثَّرَاءُ
وَلَيْسَ بِنَافِعٍ ذَا الْبُخْلِ مَالٌ ... وَلَا مُزْرٍ بِصَاحِبِهِ الْحِبَاءُ
غَنِيُّ النَّفْسِ مَا اسْتَغْنَى بِشَيْءٍ ... وَفَقْرُ النَّفْسِ مَا عَمُرَتْ شَقَاءُ
يَوَدُّ الْمَرْءُ مَا تَفِدُ اللَّيَالِي ... كَأَنَّ فَنَاءَهُنَّ لَهُ فَنَاءُ
فَلَمَّا رَأَى مُعَاذُ بْنُ النُّعْمَانِ امْتِنَاعَ بَنِي النَّجَّارِ مِنَ الدِّيَةِ أَوْ تَسْلِيمِ الْقَاتِلِ إِلَيْهِ تَهَيَّأَ لِلْحَرْبِ، وَتَجَهَّزَ هُوَ وَقَوْمُهُ وَاقْتَتَلُوا عِنْدَ فَارِعٍ، وَهُوَ أُطُمُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ وَعَادُوا إِلَى أَحْسَنِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الْإِطْنَابَةِ فِي ذَلِكَ:
صَرَمَتْ ظَلِيمَةُ خُلَّتِي وَمَرَاسِلِي ... وَتَبَاعَدَتْ ضَنًا بِزَادِ الرَّاحِلِ
جَهْلًا وَمَا تَدْرِي ظَلِيمَةُ أَنَّنِي ... قَدْ أَسْتَقِلُّ بِصَرْمِ غَيْرِ الْوَاصِلِ
ذُلُلٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ مُشَيَّعِي ... أَنِّي أَرُوعُ قَطَا الْمَكَانِ الْغَافِلِ