بِالزَّاهِرِ، وَتَقَدَّمَ إِلَى مَكَّةَ مُقَاتِلًا لِصَاحِبِهَا حَسَنٍ.
وَكَانَ حَسَنٌ قَدْ جَمَعَ جُمُوعًا كَثِيرَةً مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ وَقَاتَلَهُ، وَتَقَدَّمَ أَمِيرُ الْحَاجِّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ عَسْكَرِهِ مُنْفَرِدًا، وَصَعِدَ الْجَبَلَ إِدْلَالًا بِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدَمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، فَأَحَاطَ بِهِ أَصْحَابُ حَسَنٍ، وَقَتَلُوهُ، وَعَلَّقُوا رَأْسَهُ، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحَاطَ أَصْحَابُ حَسَنٍ بِالْحَاجِّ لِيَنْهَبُوهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ حَسَنٌ عِمَامَتَهُ أَمَانًا لِلْحُجَّاجِ، فَعَادَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يَنْهَبُوا مِنْهُمْ شَيْئًا، وَسَكَنَ النَّاسُ، وَأَذِنَ لَهُمْ حَسَنٌ فِي دُخُولِ مَكَّةَ وَفِعْلِ مَا يُرِيدُونَهُ مِنَ الْحَجِّ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَقَامُوا بِمَكَّةَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَعَادُوا، فَوَصَلُوا إِلَى الْعِرَاقِ سَالِمِينَ، وَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى الْخَلِيفَةِ، فَوَصَلَتْ رُسُلُ حَسَنٍ يَعْتَذِرُونَ، وَيَطْلُبُونَ الْعَفْوَ عَنْهُ، فَأُجِيبُ إِلَى ذَلِكَ.
وَقِيلَ فِي مَوْتِ قَتَادَةَ: إِنَّ ابْنَهُ حَسَنًا خَنَقَهُ فَمَاتَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ قَتَادَةَ جَمَعَ جُمُوعًا كَثِيرَةً وَسَارَ عَنْ مَكَّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ بِوَادِي الْفُرْعِ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَسَيَّرَ أَخَاهُ عَلَى الْجَيْشِ وَمَعَهُ ابْنَهُ الْحَسَنَ بْنَ قَتَادَةَ، فَلَمَّا أَبْعَدُوا بَلَغَ الْحَسَنَ أَنَّ عَمَّهُ قَالَ لِبَعْضِ الْجُنْدِ: إِنَّ أَخِي مَرِيضٌ، وَهُوَ مَيِّتٌ لَا مَحَالَةَ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا لَهُ لِيَكُونَ هُوَ الْأَمِيرَ بَعْدَ أَخِيهِ قَتَادَةَ، فَحَضَرَ الْحَسَنُ عِنْدَ عَمِّهِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَجْنَادِ وَالْمَمَالِيكِ الَّذِينَ لِأَبِيهِ، فَقَالَ الْحَسَنُ لِعَمِّهِ: قَدْ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ فَأَمْرَ حَسَنٌ الْحَاضِرِينَ بِقَتْلِهِ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَقَالُوا: أَنْتَ أَمِيرٌ وَهَذَا أَمِيرٌ، وَلَا نَمُدُّ أَيْدِيَنَا إِلَى أَحَدِكُمَا. فَقَالَ لَهُ غُلَامَانِ لِقَتَادَةَ: نَحْنُ عَبِيدُكُ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَجْعَلَا عِمَامَةَ عَمِّهِ فِي عُنُقِهِ، فَفَعَلَا، ثُمَّ قَتَلَهُ.
فَسَمِعَ قَتَادَةُ الْخَبَرَ، فَبَلَغَ مِنْهُ الْغَيْظُ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ ابْنَهُ، وَكَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَرَضِ، فَكَتَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِلَى الْحَسَنِ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، وَيَقُولُ لَهُ: ابْدَأْ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَعَادَ الْحَسَنُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا وَصَلَهَا قَصْدَ دَارَ أَبِيهِ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَوَجَدَ عَلَى بَابِ الدَّارِ جَمْعًا كَثِيرًا، فَأَمَرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، فَفَارَقُوا الدَّارَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute