ذِكْرُ عِصْيَانِ شِهَابِ الدِّينِ غَازِي عَلَى أَخِيهِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ، وَأَخْذِ خِلَاطَ مِنْهُ.
كَانَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ قَدْ أَقْطَعَ أَخَاهُ شِهَابَ الدِّينِ غَازِي مَدِينَةَ خِلَاطَ وَجَمِيعَ أَعْمَالِ أَرْمِينِيَّةَ، وَأَضَافَ إِلَيْهَا مَيَّافَارِقِينَ وَحَانِي وَجَبَلَ جُورٍ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ حَتَّى جَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَهُ جَمِيعِهَا، وَحَلَّفَ لَهُ جَمِيعَ النُّوَّابِ وَالْعَسَاكِرِ فِي الْبِلَادِ.
فَلَمَّا سَلَّمَ إِلَيْهِ أَرْمِينِيَّةَ، سَارَ إِلَيْهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَقَامَ بِهَا إِلَى آخِرِ سَنَةِ عِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَأَظْهَرَ مُغَاضَبَةَ أَخِيهِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ، وَالتَّجَنِّيَ عَلَيْهِ وَالْعِصْيَانَ، وَالْخُرُوجَ عَنْ طَاعَتِهِ، فَرَاسَلَهُ الْأَشْرَفُ يَسْتَمِيلُهُ وَيُعَاتِبُهُ عَلَى مَا فَعَلَ، فَلَمْ يَرْعَوِ، وَلَا تَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، بَلْ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَاتَّفَقَ هُوَ وَأَخُوهُ الْمُعَظَّمُ عِيسَى صَاحِبُ دِمَشْقَ، وَمُظَفَّرُ الدِّينِ بْنُ زَيْنِ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِلَ، عَلَى الْخِلَافِ لِلْأَشْرَفِ، وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى مُحَارَبَتِهِ، وَأَظْهَرُوا ذَلِكَ.
وَعَلِمَ الْأَشْرَفُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ بِمِصْرَ يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ، وَكَانَا مُتَّفِقَيْنِ، وَطَلَبَ مِنْهُ نَجْدَةً، فَجَهَّزَ الْعَسَاكِرَ وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ صَاحِبِ دِمَشْقَ، يَقُولُ لَهُ: إِنْ تَحَرَّكْتَ مِنْ بَلَدِكَ، سِرْتُ إِلَيْهِ وَأَخَذْتُهُ، وَكَانَ قَدْ سَارَ نَحْوَ دِيَارِ الْجَزِيرَةِ لِلْمِيعَادِ الَّذِي بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَيْهِ رِسَالَةُ أَخِيهِ، وَسَمِعَ بِتَجْهِيزِ الْعَسَاكِرِ، عَادَ إِلَى دِمَشْقَ.
وَأَمَّا صَاحِبُ إِرْبِلَ فَإِنَّهُ جَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَسَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَكَانَ مِنْهُ مَا نَذْكُرُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَمَّا الْأَشْرَفُ فَإِنَّهُ لَمَّا تَيَقَّنَ عِصْيَانَ أَخِيهِ، جَمَعَ الْعَسَاكِرَ مِنَ الشَّامِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَالْمَوْصِلِ، وَسَارَ إِلَى خِلَاطَ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهَا، خَافَهُ أَخُوهُ غَازِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى أَنْ يَلْقَاهُ مُحَارِبًا، فَفَرَّقَ عَسْكَرَهُ فِي الْبِلَادِ لِيُحَصِّنَهَا، وَانْتَظَرَ أَخُوهُ صَاحِبُ دِمَشْقَ أَنْ يَسِيرَ صَاحِبُ إِرْبِلَ إِلَى مَا يُجَاوِرُهُ مِنَ الْمَوْصِلِ وَسِنْجَارَ، وَأَنْ يَسِيرَ أَخُوهُ إِلَى بِلَادِ الْأَشْرَفِ عِنْدَ الْفُرَاتِ: الرَّقَّةِ، وَحَرَّانَ، وَغَيْرِهِمَا، فَيُضْطَرُّ الْأَشْرَفُ حِينَئِذٍ إِلَى الْعَوْدِ عَنْ خِلَاطَ.
فَسَارَ الْأَشْرَفُ إِلَيْهِ، وَقَصَدَ خِلَاطَ، وَكَانَ أَهْلُهَا يُرِيدُونَهُ، وَيَخْتَارُونَ دَوْلَتَهُ لِحُسْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute