للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانُونَ رَجُلًا، أَحَدُهُمْ جُرْهُمُ، كُلُّهُمْ بَنُو شِيثٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا ثَمَانِيَةَ أَنْفُسٍ: نُوحٌ، وَامْرَأَتُهُ، وَثَلَاثَةٌ بَنُوهُ، وَنِسَاؤُهُمْ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ: كَانُوا سَبْعَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ زَوْجَ نُوحٍ. وَحَمَلَ مَعَهُ جَسَدَ آدَمَ، ثُمَّ أَدْخَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الدَّوَابِّ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُ ابْنُهُ يَامُ، وَكَانَ كَافِرًا، وَكَانَ آخِرَ مَنْ دَخَلَ السَّفِينَةَ الْحِمَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ صَدْرُهُ تَعَلَّقَ إِبْلِيسُ بِذَنَبِهِ فَلَمْ تَرْتَفِعْ رِجْلَاهُ، فَجَعَلَ نُوحٌ يَأْمُرُهُ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْتَطِيعُ حَتَّى قَالَ: ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ. فَقَالَ كَلِمَةً زَلَّتْ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمَّا قَالَهَا دَخَلَ الشَّيْطَانُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ نُوحٌ: مَا أَدْخَلَكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَقُلِ ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ؟ فَتَرَكَهُ.

وَلَمَّا أُمِرَ نُوحٌ بِإِدْخَالِ الْحَيَوَانِ السَّفِينَةَ قَالَ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْأَسَدِ وَالْبَقَرَةِ؟ وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِالْعَنَاقِ وَالذِّئْبِ، وَالطَّيْرِ وَالْهِرِّ؟ قَالَ: الَّذِي أَلْقَى بَيْنَهُمَا الْعَدَاوَةُ هُوَ يُؤَلِّفُ بَيْنَهَا. فَأَلْقَى الْحُمَّى عَلَى الْأَسَدِ، وَشَغَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ:

وَمَا الْكَلْبُ مَحْمُومًا وَإِنْ طَالَ عُمْرُهُ ... وَلَكِنَّمَا الْحُمَّى عَلَى الْأَسَدِ الْوَرْدِ

وَجَعَلَ نُوحٌ الطَّيْرَ فِي الطَّبَقِ الْأَسْفَلِ مِنَ السَّفِينَةِ، وَجَعَلَ الْوَحْشَ فِي الطَّبَقِ الْأَوْسَطِ، وَرَكِبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ فِي الطَّبَقِ الْأَعْلَى. فَلَمَّا اطْمَأَنَّ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ، وَأَدْخَلَ فِيهِ كُلَّ مَنْ أُمِرَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ عُمُرِهِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَحَمَلَ مَعَهُ مَنْ حَمَلَ - جَاءَ الْمَاءُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ - وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: ١١ - ١٢] . فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أُرْسِلَ الْمَاءُ وَبَيْنَ أَنِ احْتَمَلَ الْمَاءُ الْفُلْكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، وَكَثُرَ، وَاشْتَدَّ، وَارْتَفَعَ، وَطَمَى، وَغَطَّى نُوحٌ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>