للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَلْعَةِ فِي نُسْخَةِ الْيَمِينِ بِمَالٍ، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ أَمَانٍ وَإِقْطَاعٍ، فَسَخِطُوا هَذِهِ الْحَالَ، وَقَالُوا لَهُمْ: قَدْ حَلَفْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ بِالْحُصُونِ وَالْقُرَى وَالْمَالِ، وَنَحْنُ قَدْ خُرِّبَتْ بُيُوتُنَا لِأَجْلِكُمْ، فَلَمْ تَذْكُرُونَا، فَأَهَانُوهُمْ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِمْ، فَحَضَرَ عِنْدَ أَمِينِ الدِّينِ رَجُلَانِ مِنْهُمْ لَيْلًا، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ جَمْعًا يُصْعِدُونَهُمْ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَيَثِبُونَ بِأُولَئِكَ وَيَأْخُذُونَهُمْ، فَامْتَنَعَ وَقَالَ: أَخَافَ أَنْ لَا يَتِمَّ هَذَا الْأَمْرُ، وَيَفْسُدَ عَلَيْنَا كُلُّ مَا فَعَلْنَاهُ. فَقَالُوا: نَحْنُ نَقْبِضُ عَلَيْهِمْ غَدًا بُكْرَةً، وَتَكُونُ أَنْتَ وَالْعَسْكَرُ عَلَى ظَهْرٍ، فَإِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ بَاسِمِ بَدْرِ الدِّينِ وَشِعَارِهِ، تَصْعَدُونَ إِلَيْنَا، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.

وَرَكِبَ بِنَفْسِهِ بُكْرَةً هُوَ وَالْعَسْكَرُ عَلَى الْعَادَةِ، وَأَمَّا أُولَئِكَ فَإِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا، وَقَبَضُوا عَلَى أَوْلَادِ خَوَاجَهْ وَمَنْ مَعَهُمْ، وَنَادَوْا بِشِعَارِ بَدْرِ الدِّينِ، فَبَيْنَمَا الْعَسْكَرُ قِيَامٌ إِذَا الصَّوْتُ مِنَ الْقَلْعَةِ بَاسِمِ بَدْرِ الدِّينِ، فَصَعِدُوا إِلَيْهَا وَمَلَكُوهَا، وَتَسَلَّمَ أَمِينُ الدِّينِ أَوْلَادَ خَوَاجَهْ فَحَبَسَهُمْ، وَكَتَبَ الرُّقْعَةَ عَلَى جَنَاحِ الطَّائِرِ بِالْحَالِ، وَمَلَكُوا الْقَلْعَةَ صَفْوًا عَفْوًا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَانَ يُرِيدُ [أَنْ] يَغْرَمَ مَالًا جَلِيلًا، وَأَقْطَاعًا كَثِيرَةً، وَحِصْنًا مَنِيعًا، فَتَوَفَّرَ الْجَمِيعُ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ كُلَّ مَا احْتَقَبُوهُ وَادَّخَرُوهُ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ.

فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَيْلَةَ الْأَحَدِ الْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ، زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ بِالْمَوْصِلِ، وَدِيَارِ الْجَزِيرَةِ وَالْعِرَاقِ، وَغَيْرِهَا زَلْزَلَةً مُتَوَسِّطَةً.

وَفِيهَا اشْتَدَّ الْغَلَاءُ بِالْمَوْصِلِ، وَدِيَارِ الْجَزِيرَةِ جَمِيعِهَا، فَأَكَلَ النَّاسُ الْمَيْتَةَ، وَالْكِلَابَ وَالسَّنَانِيرَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ كَثِيرَةً. وَلَقَدْ دَخَلْتُ يَوْمًا إِلَى دَارِي، فَرَأَيْتُ الْجَوَارِيَ يَقْطَعْنَ اللَّحْمَ لِيَطْبُخْنَهُ، فَرَأَيْتُ سَنَانِيرَ اسْتَكْثَرْتُهَا فَعَدَدْتُهَا، فَكَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ سِنَّوْرًا، وَرَأَيْتُ اللَّحْمَ فِي هَذَا الْغَلَاءِ فِي الدَّارِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَحْفَظُهُ مِنَ السَّنَانِيرِ لِعَدَمِهَا، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمَرَّتَيْنِ كَثِيرٌ. وَغَلَا مَعَ الطَّعَامِ كُلُّ شَيْءٍ فَبِيعَ رِطْلُ الشَّيْرِجِ بِقِيرَاطَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِنِصْفِ قِيرَاطٍ قَبْلَ الْغَلَاءِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ كُلُّ سِتِّينَ رِطْلًا بِدِينَارٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>