الطَّحَاوِيُّ، وَوَصَّى عِنْدَ مَوْتِهِ بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي الْبَيَاضِ، وَلَا يُجْعَلَ فِي أَكْفَانِهِ ثَوْبٌ فِيهِ ذَهَبٌ، وَأَنْ يُدْفَنَ فِي لَحْدٍ، وَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ بِنَاءً بَلْ يَكُونُ قَبْرُهُ فِي الصَّحْرَاءِ تَحْتَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ فِي مَرَضِهِ: لِي عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي أَمْرِ دِمْيَاطَ مَا أَرْجُو أَنْ يَرْحَمَنِي بِهِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَلِي بَعْدَهُ ابْنُهُ دَاوُدُ وَيُلَقَّبُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ، وَكَانَ عُمْرُهُ قَدْ قَارَبَ عِشْرِينَ سَنَةً.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ دَامَ الْغَلَاءُ فِي دِيَارِ الْجَزِيرَةِ، وَدَامَتِ الْأَسْعَارُ تَزِيدُ قَلِيلًا وَتَنْقُصُ قَلِيلًا، وَانْقَطَعَ الْمَطَرُ جَمِيعَ شُبَاطَ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آذَارَ، فَازْدَادَ الْغَلَاءُ، فَبَلَغَتِ الْحِنْطَةُ كُلَّ مَكُّوكَيْنِ بِدِينَارٍ وَقِيرَاطَيْنِ بِالْمَوْصِلِ، وَالشَّعِيرُ كُلَّ ثَلَاثَةِ مَكَاكِيكَ بِالْمَوْصِلِيِّ بِدِينَارٍ وَقِرَاطَيْنِ أَيْضًا، وَكُلَّ شَيْءٍ بِهَذِهِ السَّنَةِ فِي الْغَلَاءِ. وَفِيهَا فِي الرَّبِيعِ، قَلَّ لَحْمُ الْغَنَمِ بِالْمَوْصِلِ، وَغَلَا سِعْرُهُ، حَتَّى بِيعَ كُلُّ رِطْلِ لَحْمٍ بِالْبَغْدَادِيِّ بِحَبَّتَيْنِ بِالصَّنْجَةِ، وَرُبَّمَا زَادَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ عَلَى هَذَا الثَّمَنِ.
وَحَكَى لِي مَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَ الْغَنَمِ بِالْمَوْصِلِ أَنَّهُمْ بَاعُوا يَوْمًا خَرُوفًا وَاحِدًا لَا غَيْرَ، وَفِي بَعْضِهَا خَمْسَةَ أَرْؤُسٍ، وَفِي بَعْضِهَا سِتَّةً، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، وَهَذَا مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَلَا رَأَيْنَاهُ فِي جَمِيعِ أَعْمَارِنَا، وَلَا حُكِيَ لَنَا مِثْلُهُ ; لِأَنَّ الرَّبِيعَ مَظِنَّةُ رُخْصِ اللَّحْمِ بِهَا ; لِأَنَّ التُّرْكُمَانَ وَالْأَكْرَادَ وَالْكيلكَانَ يَنْتَقِلُونَ مِنَ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي شَتُوا بِهَا إِلَى الزَّوْزَانِ فَيَبِيعُونَ الْغَنَمَ رَخِيصًا.
وَكَانَ اللَّحْمُ كُلَّ سَنَةٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلُّ سِتَّةِ أَرْطَالٍ وَسَبْعَةٍ بِقِيرَاطٍ، صَارَ هَذِهِ السَّنَةَ الرِّطْلُ بِحَبَّتَيْنِ.
وَفِيهَا عَاشِرَ آذَارَ، وَهُوَ الْعِشْرُونَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَقَطَ الثَّلْجُ بِالْمَوْصِلِ مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، فَأَهْلَكَ الْأَزْهَارَ الَّتِي خَرَجَتْ كَزَهْرِ اللَّوْزِ، وَالْمِشْمِشِ، وَالْإِجَّاصِ، وَالسَّفَرْجَلِ وَغَيْرِهَا، وَوَصَلَتِ الْأَخْبَارُ مِنَ الْعِرَاقِ جَمِيعِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَهَلَكَتْ بِهِ أَزْهَارُهَا وَالثِّمَارُ، وَهَذَا أَعْجَبُ مِنْ حَالِ دِيَارِ الْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ جَمِيعِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute